مالك بن نبي و تدهور منظومة التعليم في العالمين العربي و الإسلامي .
بقلم : حسن بن الجيلالي ( المغرب )
من نتائج تدهور منظومة التعليم في العالم العربي و الإسلامي قد لا نجد من الشباب الحالي من يعرف إسم مالك بن نبي ضمن الشخصيات الفكرية التي طبعت فترة من الزمن في القرن العشرين.
عاش مالك بن نبي في الفترة ما بين 1905 و 1973 ميلادي، من أصل جزائري ، درس العلوم في فرنسا و تخصص في الهندسة الكهربائية لكنه اشتهر بعدة كتابات فكرية جمعها كلها تحث عنوان عريض سماه: مشكلات الحضارة.
تحث هذا العنوان عرض مالك بن نبي أمراض العالم العربي و الإسلامي من طنجة إلى جاكرتا خلال القرن الماضي و حددها في مشكلات فرعية مكونة للحضارة منها مشكلة الثقافة و مشكلة الأفكار و مشكلات أخرى اعتبرها هي مكامن الخلل في المجتمعات الممتدة من طنجة إلى جاكرتا و خلص إلى أن حل مشكلة الحضارة يمر بالأساس عبر إيجاد حلول لتلك المشكلات الفرعية من أجل تحقيق عالم يتسع لكل مواطنيه و يضمن لهم العيش الكريم و يسمح لهم بالابتكار و الإنتاج لكي يساهموا في التنمية البشرية على غرار باقي دول العالم و أن لا يكتفوا باستيراد منتوجات المجتمعات الأخرى أو كما سماها في إحدى كتبه بتكديس الأشياء.
لتحقيق هذا الطموح وضع مالك بن نبي برنامجا تنمويا سماه : أسباب أو شروط النهضة و ارتكز البرنامج على ثلاث عناصر أساسية هي العنصر البشري و العنصر المادي و عنصر الوقت.
اعتبر مالك بن نبي أن الإنسان أو العنصر البشري هو رحى النهضة و تطور المجتمعات ، لذلك دعى إلى الاهتمام به عن طريق توفير ظروف معيشية كريمة له من مسكن و تربية و تعليم و تطبيب و فرص عمل حتى يتفرغ للإنتاج و تطوير سبله و بهذا لن تعود تلك الدول العربية و الإسلامية في حاجة إلى استيراد اليد العاملة الأجنبية المؤهلة و التي تكلفها ميزانية مالية هي في أمس الحاجة إليها.
تم دعى إلى الاهتمام بالعنصر المادي أو المادة الخام الذي سماه في كتاباته بلفظ التراب في إشارة إلى الإنتاج الفلاحي أو الزراعي لكن ليس هذا فقط بل دعى إلى الاهتمام و الحفاظ على كل المواد الخام الذي تزخر به بلدان العالم العربي و الإسلامي فوق سطح الأرض أو تحتها من تراب و معادن و ثروات طبيعية سواء كانت حية أو غيرها لأن العنصر البشري المكون تكوينا علميا يحتاج إلى هذه المواد الخام من أجل إنتاج كل ما تحتاجه مجتمعاته عوض تصديرها إلى الخارج للدول المصنعة بأرخص الأثمنة .
و أخيراً دعى مالك بن نبي إلى استغلال الوقت و عدم هضره بدون فائدة و أبرز قيمته بصورة معبرة جدا عندما شبهه بذلك النهر الذي يمر بمدينة أو بقرية من أمام سكانها، فمنهم من يستغل ماءه في سقي كل ما يحتاجه فيحصل على منتوج و طبيعة خضراء و منهم من لا يبالي بمرور النهر من أمامه و كأنه غير موجود و بالتالي يبقى مرتبطا بالسوق من أجل تلبية احتياجاته.
الجميل في كتابات مالك بن نبي أنه استعمل أسلوبه العلمي في تحليل الظواهر و الإشكالات و طرح حلولا قد لا تتطلب كثيراً من المال من أجل النهوض باقتصادات تلك المجتمعات، بل دعى إلى استثمار ما هو موجود و لو بسيط من أجل توفير الاحتياجات الضرورية لأن المهم بالنسبة له هو تحقيق الاكتفاء الذاتي و عدم الإعتماد على ما ينتجه الخارج حتى و لو كانت الإمكانيات المادية تسمح بذلك و لأن الحضارة بالنسبة له لا تبنى بتكديس الأشياء بل الحضارة هي من تنتج اشياءها.