عرف المشهد السياسي المغربي منذ سنوات انحطاطا و تراجعا خطيرا على مستوى التقدم الديمقراطي أو على صعيد أداء كل من الحكومة المحكومة و الأحزاب أو الدكاكين السياسية حتى بات الوضع الراهن ينطبع بجملة من المساوئ نقتصر منها على ما يلي :
أولا : من يحكم المغرب؟
الوضع السياسي بالمغرب وضع غامض، لا يسمح بالتعرف على الفاعل الحقيقي والمتحكم في السياسة العامة للمغرب، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: من يحكم المغرب؟ هل يحكمه الملك الذي هو القائد الأعلى للدولة و هو في نفس الوقت أمير المؤمنين ؟ أم تحكمه الحكومة المحكومة التي لا تستطيع أن تقول للشعب أنها عاجزة عن الفعل ؟
إن المتتبع للشأن السياسي المغربي يرى أن الملك يحمل مسؤولية فشله للحكومة التي لم تطبق الإشارات تعليماته ، ولم تستوعب الروح الفعالة للعهد الجديد ، في حين تتملص الحكومة المحكومة من فشلها بكونها لا تملك القرار السياسي الذي يصنع خارج أسوارها .
إن أحزابنا أو دكاكيننا السياسية لا تملك الصراحة و الوضوح لتسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية فتبين للمواطن من هو الفاعل السياسي الحقيقي في البلد ، بل إنها لا تملك جرأة التعبير عن مواقف بعض مناضليها التي تبرز بين الفينة و الأخرى مطالبة بإصلاح دستوري يفتح صفحة مصالحة مع الشعب. هذا الغموض السياسي يجعل آلية المحاسبة مغيبة ومعطلة، فمن يحاسب من؟؟
ثانيا : غياب الأحزاب و موسمية العمل السياسي
إن كل الدول الديمقراطية تعرف حركة سياسية دائبة تجعلها تتقدم نحو الاستقرار والتنمية وبناء دولة الحق والقانون التي تتعايش فيها كل التيارات والحساسيات باحترام وتقدير. هذه الدينامية السياسية تحركها الأحزاب والنقابات والتنظيمات المختلفة في تلك البلدان، حيث تساهم في تأطير الشعب وتعبئته وخدمته وإشراكه في الفعل والقرار، مما يولد لدى أفراده إحساسا عاما بالمسؤولية و رغبة أكيدة في خدمة الوطن . و بالمقابل نجد أن أحزابنا السياسية تحولت إلى دكاكين تفتح أبوابها في أيام الرواج الانتخابي للحصول على أصوات الانتهازيين أو المقهورين مقابل دراهم معدودة ، و خارج هذه المواسم لا تعرف معنى للمواطن و لا للشعب مما جعل الأغلبية الساحقة من المواطنين تغسل يدها على الأحزاب و تتبرأ من المشاركة في مهزلة الانتخابات . إن ابتعاد الأحزاب السياسية عن الهموم اليومية للمواطن المقهور منه خاصة أفقدها كل مصداقية ، بل إن المواطن العادي بات يلمس انبطاح الأحزاب على أعتاب سلطة المخزن – الملك – و سيرها مع الاتجاه الغالب بغية تحقيق المصالح الشخصية لقيادييها و أعضائها البارزين . هذا الجمود السياسي خلف فراغا سياسيا كبيرا، لا وجود فيه لقوة معارضة حقيقية تحافظ على التوازن وتعبر عن ذاتها كقوة اقتراحية قادرة على التأثير في الوضع السياسي الراهن.
ثالثا : الأمل في التغيير
إن الشعارات التي طالما روجتها النظام المخزني من قبيل شعار الديمقراطية والمفهوم الجديد للسلطة والتعددية وحرية التعبير، تأكد للعام و الخاص أنها مجرد فقاعات في الهواء انطفأت مع أول محك ، و اتضح للجميع أن السلطة ، النظام الملكي لا يسمح لأي رأي مخالف بالوجود والتعبير عن نفسه، وبالتالي فإن الإقصاء هو سيد مواقف النظام السياسي، والقمع والإعتقال والتقتيل هي لغة العصر. و أمام هذا الوضع الذي غيب كل الأصوات الحرة التي لا تباع و لا تشترى ، وحرمها من تحمل مسؤوليتها في التغيير كل من موقعه فإن طائفة من الشباب المغربي انطلقت لترسم للشعب المغربي تغييرا حقيقيا يمكن أن يعيد لها كرامته و اعتزازه بالانتماء لهذا الموطن .
ويبقى أملنا في ظهور حركة نضالية مستقلة غير مشبوهة و خانعة وخاضعة لبعض مرتزقة الداخل أو الخارج الذين هدفهم الركوب على الشعب من أجل تحقيق مآربهم ولو كلفهم ذلك سفك دماء الأبرياء الذين قد ينجروا خلف حركة معلبة في مصانع بعض الأحزاب السياسية الراديكالية والجماعات التخريفية التي تتدعي النبوءة و… بعدما أن شيب شعر رأسنا ما بين سياسة العجزة من جهة ، وسياسة المراهقة من جهة أخرى .
فالشعب يريد المستقبل، يريد الانطلاق إلى الأمام بعد أن يتخلص من شباك وشراك هدت جسمه لعقود عديدة، وأجهدت قواه، وأجهضت أحلامه وآماله، ونالت من كل مفاصله حتى كادت تقضي على كل ذرة من كرامة أو بصيص من نور. الشعب يريد الانعتاق من ربقة الاستعباد والاستبلاد والانقياد لتتحرر مواهبه وطاقاته، فيبني للمجد صروحا وللعزة بنيانا، يبني ويشيد ويرفع للبلاد علما وتجد إرادته موطئا تحت الشمس، لتتنسم عبير الحرية وعبق السؤدد وأريج الكرامة، ولترتشف ماء العزة الزلال، وترتوي لبن المجد الذي طمرته هذه الأنظمة الفاسدة المفسدة تحت أطمار الثرى، وتتسلق مدارج الثريا.