قصيدة سيمفونية الألوان
شعرصديقي و أستاذي الكبير ، المرحوم محمد السيد ندا
ليلي ودُخانى
وبقايا الرجل الفارّ
الرجل المُنْهارْ
بالأمس هربتُ
لأنى لم أتصنّعْ قولا
لا أنت ولا أحدٌ غيرُكْ
لكن ثغركْ
شفتاك وشىءٌ لا أفهمهُ
لكنى أتحدّثُ بهْ
أتعلق حين أراك بأكثر من شىءْ
اللون الواحد فى الشكل الواحد
والأشكال المتعددة الألوان
الثوب الأحمر والأسود
الشعر المتهدّلُ فوق الكتفينْ
الأنف المتكبرْ
ودلال الطفلة
حين تداعب قطا برّيا
لا أنت ولا أحد غيرك
فى عينيك تموت اللحظهْ
أستنزف ميلاد الألوان
أرشفها عطرا ودُخانا
لو كان الأزرق لون سمائى
لشربت من العينين دوائى
لارتاحت فى عينيك النظرةُ
وانتعشت بمياه الورد
لكن الأسود والأحمر
يرسم فى ذاكرتى
قططا تلعق أكواب اللبن الفارغة
وتقفز وتموءْ
أنتظرك كل مغيب حتى أتدثر
لكنى عار دوما
لايسترنى طرف ردائى
لم أحلم يوما أنى أزرع
لكنى أحصد كل مساء رؤيا
فى الليل الخاوى من أقدامك
ترتع كل الأشباح
تراقصنى
والشىء الواهم يتلاشى
ساقاك يصيران لقلبى مرثيّهْ
والخصلات الذهبية
تهتز فأستعذب ألمى
أسراب طيور بريّهْ
لو أنى أحكمتُ التصويب
.. الصيد الآخر فى الغدْ
” .. ياطائرى البرى ّ هل ترانى أذبحك ؟ ”
لحمك مُرْ لحمك مر
أعشقك وأنت على الأبواب
تديرين اللحن
تهتز الشفتان
أعشقك وأنت على الأبواب
رؤى تتحرك
ما أروع هذى الأشياء
الكوب الداقىء والخصلات
ووجوه الأصحاب
لاشىء هنالك يهتف بى
غير الخصلاتْ :
ــ إرسمنى إن شئتْ
… الظل الملقى فوق الكتفين
… جوعانٌ
لو أنطق كلماتى
… وحذاءٌ ذهبىْ
أبعاد الخطوة رسمتها نظراتى
أهتف وحدى :
ــ هذى الرقصة أعرفها
ــ ماجدوى أن أعرفها وحدى ؟
تلك العينان
لا لونْ
أشعر أنى مرثية رجل
لم يتعلم أن يرقص ليموتْ
السحب تراكمت الليلة
والشارع يعتصر الأقدام
أمطار خريف وشتاء قاس
أوراق الأشجار تموت بلا جدوى
…. لا أنت ولا أحد غيركْ
أقدامك تغرقنى فى السيل
أقدامك والليلْ
والأشياء الداكنة السوداء
أشكالٌ تتعدد
تسكن فى صمت
لو عاد الموت :
ــ من الطارق فى منتصف الليل ؟
لا أنت ولا أحد غيرك
الصمت وفتياتى
يجلسن فرادى فى الردهاتْ
لو كان المقعد خال
لعرفتُ جوابا
للأسئلة المترددة دواما
جوّابا كنتُ ومازلتُ أجوبْ
أبحث فى النافذة المفتوحة عنك
لو مرّ الفارس يعرفنى
من صمتى وإشاراتى يتذكرنى
ماجدوى أن يعرفنى
… ما جدوى أن يعرفنى
جوّابا كنت وما زلت أجوب
ــ أسرع يافرسى الأبيض
فالليلُ يدور بنا
لن يمنحنا الفرصة ثانية
……
أجنحتك وذراعى
والخصلات النائمة على النافذة تنادينى
ــ أسرع يافرسى
لو تلحق ركب أميرتنا
….
ألوان الأفق تذوب
الأحمر خلف الأهرامات
يتحول لون نخيل القرية أسود
كل الأشياء تخلّت عنى
أنظرّ للأُفق أُوارى ألمى
… لا أنت ولا أحدٌ غيرك
فى الأسود والأحمر
والأنف المتكبّر
وجدائلك الذهبية
وجراحات الفرسان الصّرعى
سيدتى
لرجالى قدمتُ هداياى
وسنرحل تلك الليلة ياسيدتى
ــ قُبلتُنا
أطويك على أطراف مدينتنا
ألمسُ شفتيك
وأتدثر بالشفق الهارب
وأذوبْ
فى الأسود والأحمر
وأسافر
لن أحمل زادا للرحله ياحسنائى
إلا أنت
أُلقيك على شفتى
تذكارا للأيام
… عدنا لليل
أسكرنا صوت الكروان
فشربنا آخر كأس من عطر
ممزوج بالهمس
… ــ أسرع يافرسى الأبيض
فى البقع الشمسية
تتفجر ألوان وحقائق
فى الليل المقمر
تتكثف أسوار وحدائق
الأخضر أسود
والأحمر أسود
وتذوب طبيعتنا
.. آه لو تعرف كم مرّ من الأزمنة
ونحن نجوب ؟
آه لو تعرف
كم نتعذب حين نريد
حين نلوذ بصحبتنا
نتدثر من وحدتنا
آه لو تعرف أنى لا أملك صوتى الآن
ــ غنّ شيئا مما تعرف
ــ لو كانت أسرارى تكشفنى
لعرفتم أنى أبكى
لو كان الليل صديقى لتغنيت
ــ أغنيتى يافرسى
أنت السامع والحادى والمتذوق
” … شربتُ ليلتى من نهرنا المُذاب
السارح خلف الجسر والصفصاف
أشرت لى
توقف الركب وانتهزت فرصة اللقاء
” .. أذكرك وأنت تلعنيننى
يالعنتى أنا احترقت
كبوْت أيها الفرس
فقيل لى بأنه الشيطان
كاد يمر بك
كاد يمر بك ..”
…….
أحمل أحجبتى لتقينى شر الأيام
لن تكْبُو بعد اليوم
ــ سيدتى
والشعر المُهملُ فوق شفاهك
ــ أتمضغين خُصلتك ؟
… على الجدار ترسم السماء ظلنا
فى حلمنا
ونحن غارقين فى بحيرة المساء
نهم أن نعتنق
لايسترنا سوى تهدل الأمواج
… أسراب طيور بيض تعبرنا
تلقى ظلا
فوق المرآة المتموجة الشفافه
جسدك ألوان تهتز
تكتمل الصورة فى حلمى
حين تداعب عيناى الخصلات
المبتلّةُ برذاذ الماء
الأبيض للطير الهائم فى قاع بحيرتنا
وجذوع الشجر المنغمس المتشابك للأخضر
ـــ إنتظرى
فرسى يغرق
لا أنت ولا أحد غيرك
البلد بعيد
ومساء أزرق
ينتثر نجوا وهموما
ألوان تتداخل فى الأبيض
والشمس ستشرق
ـــ لاتغرق يافرسى الأحمق
لا أنت ولا أيامك تسكرنى
أنكرنى فرسى
لن أصحيا أمى بعد الليلة
أمهر حراس مدينتنا
وسأُسْلب حين أسير وحيدا
يهجرنى سيفى
وسيذكرنى
حين أعانق صورة فرسى خوفى
مأ أنت سوى وهم يمتزج برغباتى
يتجسد حين أناديك
فى الأحمر والأسود أغترب بعيدا
لا لون ليومى
كانت أيامى حين يكون خريفى صفراء
حين شتائى بيضاء
حين ربيعى خضراء
ضاعت منى ألوان فصول العام
والصيف يمر الآن
… الرغبة فى أن أمتلك حصانى يا أمى
فى حضن الليل يغنى الصفصاف
وأخاف إذا غنيت أذوب
ــ أطيابك ياسيدتى
تُسكرني نظرتك الشاردة المعطاء
.. لا أنت ولا أحدٌ غيرك
لا ليس سوى عينيك وشفتيك
فى الأسود والأحمر
والخصلات الذهبيهة
وطيورى البريهْ
هل نعتنق سويا فوق الأغصان ؟
أبكيك لأنى لا أجنحة تطيّرُنى
لكنى أعشق كل الألوان
… أمطار الصيف تدندن باللحن
ترطّبُ أحداقى
ياقوس الألوان
الآن اهتزت فى شفتى الأنغام
الأحمر والأزرق والأخضر
فطريّا تتقوّسُ فى أحضان سمائى
والسحب البيضاء
… لن أندم إلا حين أموت
عانقنى الآن
ولتكن القبلةأطول من هذا اليوم
وطول العام
فالحزن يذوب
وعلينا أن نُكْمل رحلتنا
ونعود إذا شئنا
ولْنقطفْ أزهارا
من كل الألوان .