يقول جاك روبير ” لن يكون من المبالغة الزعم بأن القوة السياسية الرئيسة في المغرب هي الملك ، فهو الذي يشكل ركيزة النظام الأساسية … و يشكل العنصر المحرك لنظام كل محدداته السياسية تشتغل قبل كل شيء بآرائه العميقة وتوجهاته … رغم ذلك لا يجب الاعتقاد بأن الحياة السياسية في المغرب مخلصة بين الملك و” شعبه الوفي” و لا يجب الاعتقاد بأن البلد يعطي مظهر دولة ثيقراطية شعبها خاضع عن قناعة لتوجهات ملكية “. هكذا بدأ عبد الصمد عياش تحليله لما للنظام المغربي أو الملكية بالمغرب مشيرا في ذلك أن ما يقصده روبير هو أن الشعب و بكل بساطة قد يقوم يوما ما “بخرجة” غير مسبوقة ، وليس بالضرورة التحكم في كل مؤسسات البلاد يبني تلك العلاقة المتوازنة الجيدة بين الملك و الشعب ، وبرزت إلى السطح اللحظة في مبادرة 20 فبراير ، كل الأطروحات التي تدعو إلى إعطاء المؤسسة الملكية حجمها الطبيعي و تجميد أدوارها الاقتصادية والقضائية والاكتفاء بملكية برلمانية يغلب طابعها الرمزي طابعها السياسي التنفيذي بالمغرب . السؤال المطروح بإلحاح : ماذا تعني حركة 20 فبراير و مطالبها بالنسبة للمؤسسة الملكية و نظام المخزن؟ وكيف ينظر الملك إلى مطلب الملكية البرلمانية ؟ وهل المغاربة قاطبة مستعدين للتخلي عن دور الملك ؟ أم المطلب منحصر فقط في فئة المثقفين ؟ وهل هذا هو سقف المطالب التي ينادي بها الشباب خصوصا الجامعي منه أم يطرحون نموذجا سياسيا واقتصاديا مغايرا ؟
لن نجيب عن هذه الأسئلة بشكل مباشر لكن لفهم جوهر النظام الملكي بالمغرب ينبغي أن نلقي نضرة بسيطة حول تاريخه ، أي بمعنى آخر “عدم نسيان الصلة التاريخية الأساسية” ، وطرح سؤال النشأة التاريخية ، والتطور التاريخي ، ثم ما تؤول إليه الأمور في الوقت الحالي.. ونظرا لأن مقالا واحدا لا يكفي للإحاطة بمجمل هذه الأساسيات سنلقي نظرة سريعة على أهم السيمات التي تميز النظام الملكي بالمغرب و قد تجيبنا عن بعض الأسئلة التي تقلقنا.
لقد شكلت المؤسسة الملكية بالمغرب نظاما سياسيا خاصا في الفترات التي تلت ما يسمى بالاستقلال ، فالملك يشكل إرثا ثقافيا ثقيلا في أذهان غالبية المغاربة حتى الذين يعتبرون أنفسهم من اليسار الراديكالي بالمغرب. فالحسن الثاني ، عبر مسلسل سياسي حالك ، أفهم الجميع أن الملكية نموذج سياسي مركب ليس من السهل تفكيكه ، فعبر قراءتنا للتاريخ الحقيقي للمغرب الذي لا يدرس بطبيعة الحال في “مقرارات” التاريخ الرسمي ، يتبين أن الملكية حافظت على تماسكها الافتراضي عبر الاشتغال المخابراتي الدقيق أولا ، ثم سياسة تكسير جماجم كل الأصوات التي توجهه سهامها للنظام بالمغرب ، عن طريق الاختطاف والقتل والنفي والاعتقال وسياسة “البيع والشراء” في مبادئ بعض ممن كانوا يسمون أنفسهم مناضلين و التقرب من المناضلين حسب موازين القوى . نفس السيناريو تمركز في قلب المؤسسة العسكرية التي قامت بإلقاء قنبلتين ذريتين في قلب القصر .. أسفرت عن كنس من تورط بشكل مباشر أو غير مباشر في العمليتين الانقلابيتين التاريخيتين ، هذا المسلسل السياسي جعل اليسار في المغرب يرث الكدمات السياسية التي خلفتها المرحلة السوداء من تاريخ حكم الحسن الثاني ، فأصبحت كل الأحزاب التي تعتبر نفسها يسارية لا تسطيع تجاوز مطلب ملكية برلمانية على أكثر تقدير إذا استثنينا بعض مكونات اليسار الجذري داخل الجامعة المغربية الذي تعاني من أبشع مظاهر التنكيل والتطويق المادي ، العسكري و الفكري جراء المخططات الفاشلة المستوردة من نماذج مجتمعية أكثر تقدما.
عاش النظام الملكي بالمغرب على مر هذا التاريخ فترات سياسية حرجة استوعب من خلالها الكل أن الملكية كنظام إما أن تزول بشكل نهائي أو تبقى عالقة بشكل تقليدي كلي ، فالانتقال إلى مؤسسات حداثية بالمغرب و تحديث التعليم و البحث العلمي لا يتماشى و النظام الملكي في تلك الفترة التي انتشر فيها الفكر الاشتراكي و ألقى بضلاله على أغلب من تعلموا في الجامعة المغربية أو الفرنسية فأصبحوا يملكون وجهة نظر أخرى غير تلك التي يبتغيها الملك . فتم إضعاف التعليم ، وإغلاق الشعب الفكرية و النقدية – الفلسفة و العلوم الاجتماعية – و تم فتح المزيد من شعب الفكر الإسلامي لتضل إمارة المؤمنين هي الركيزة الأساسية التي يجمع عليها المغاربة ، أحكمت الملكية قبضتها على المؤسسة العسكرية و حطمت التطور الذي أصبح يلمس النظام العسكري إذ تم إعدام واعتقال كل العسكريين “الحداثيين” وتجميدهم فترات طوال في السجون الحالكة . ارتبط اسم الملك بالموروث الثقافي الديني و العقائدي التقليدي ، ( كان الحسن الثاني يعطي خطبا في الدروس الحسنية ، وأعطى دورا مهما للمسيد…). ارتبط المؤسسة الملكية كذلك بالقضاء والاقتصاد و السياسية و كل المجالات المقدسة و الدنيوية التي يمكنها أن تحافظ على قدسية الملك تحت دستور يعطي كل الصلاحيات للملك ويحث على تقديسه ويمنع أن يتعرض شخصه للانتقاد . إن الذي يعمل في كل هذه المجالات في رأيي المتواضع لا بد أن يخطئ إلا إذا كان ملاكا . فهل هذا الخطأ لا يستحق على الأقل توجيها أو انتقادا ؟ و بشكل معكوس ، إذا أزلنا صفة ارتكاب الأخطاء للنظام الملكي ” عملا بقدسية الملكية في الدستور”، فهناك مثل قديم يقول: الذي لا يخطئ لا يعمل أصلا ؟ إذن دعونا نختار وجهة نظر واحدة من الإثنتين : إما أن المؤسسة الملكية تعمل و بالتالي معرضة لارتكاب الأخطاء مما يعني أيضا أنها غير مقدسة وقابلة للنقد ما يستوجب معه إعادة النظر في الدستور ، و إما أن المؤسسة الملكية لا تخطئ و بالتالي لا تعمل ومن لا يعمل لصالح الشعب المغربي إما أن يطرح نموذجا سياسيا مغايرا أو ينسحب بهدوء من سلطة القرار التنفيذي .
المؤسسة الملكية نسق موحد من الاستقلال الشكلي إلى زمن الثورة ، غير قابل للتجزيء بمعنى أن ملكية الحسن الثاني لا زالت تلقي بضلالها على المرحلة وإن كان هناك تغيرات على مستوى الممارسة الفردية للملك ، ( المؤسسات الاقتصادية الملكية من تأسيس الحسن الثاني مثلا وتسير بنفس الشكل تقريبا إن لم نقل أنها عززت أرصدتها بفضل سياسة الماجدي الإقتصادية والهمة الأمنية…) النظام مماثل في المبدأ و الجوهر ، إلا أن الخصوصية التي تتميز بها الملكية من 1999 إلى الآن أنها لم تتعرض إلى أي “هزة ” قوية كالتي حصلت في الستينيات 1965 و بداية السبعينيات وأواسط الثمانينات … ، و بالتالي لم يسبق لنا أن لاحظنا أي رد فعل للنظام السياسي على هذه المستويات ، باستثناء إعادة إنتاج نفس الممارسات السياسية في إجهاض و قمع المظاهرات التي تمت على مستوى مجموعة من الأقاليم في الشمال و الجنوب ، واعتقالات و اختطافات بالجملة في صفوف طلبة الجامعات ومناضلين … ، فكيف تتعامل الملكية مع مطالب مجموعة الفايسبوكيين التي تترجم إلى مسيرات واحتجاجات ؟ و أقد أبان النظام بأن حرية التعبير لا مجال لها في المغرب سواء بشكل سلمي أو غيره عبر إجهاض كل المحطات النضالية التي تلت 20 فبراير و أبرزها حراك الريف و جرادة …