يعتبر الراحل رحمه الله تعالى الدكتور إدريس الكتاني من خيرة المفكرين الذين جاد بهم رحم الأم المغربية،فهو سليل آل الكتاني الذين عرفوا باستماتتهم في قول الحق و عدم مداهنة الحكام مهما كلفهم الأمر.فهذه العائلة قدمت شهيدا قتله السلطان عبد الحفيظ سليل العلويين لرفضه التوقيع كعالم دين على وثيقة استقدام “الحماية الفرنسية” للمغرب التي اعتبرها خيانة للمغاربة.و يذكر أن الدكتور إدريس الكتاني رحمه الله قد كان قاب قوسين أو أدنى من تنصيبه مدرسا خاصا للحسن الثاني،لكن الملك محمد الخامس آمتنع بسبب أن تاريخ عائلة الكتاني و منطقها لا يناسب حكام المغرب العلويين،فاختار بدله عبد الهادي بوطالب .
كتب مفكرنا إدريس الكتاني في علم الإجتماع فجمع في كتاب له قرابة عشرين ألف مثل شعبي كدليل أن المغرب يتوفر على أغنى ثروة شعبية في الوطن العربي،و كتب في السياسة من خلال كتابه “بنو إسرائيل في عصر الإنحطاط العربي”،لكن كتابه الأخير الذي أنهى به مسيرة حياته ” التفسير الإسلامي لسقوط العالم العربي المعاصر ” كان زبدة ما جاد به هذا العبقري الذي قال عنه:”إنه عصارة تفكر و تدبر و تأمل لآي القرأن آستغرق مني مدة عشرين سنة لأستنبط الأسباب التي أوصلت العرب إلى هذا الركوع المخزي”.
الكتاب اعتبره المؤلف قاعدة انطلاق جديدة لكل من يتبنى المرجعية الإسلامية في خطابه الموجه لأبناء الأمة الإسلامية ضد أعداء المشروع الإسلامي،حيث يقول الفقيد رحمه الله رحمة واسعة:”أن الله تعالى وضع لمملكة سكانه خريطة في القرآن الكريم يتوزع فيها الناس حسب اختيارهم ما بين مجتمع المؤمنين ، و مجتمع الظالمين ، و مجتمع الكافرين”.و قد اعتمد الدكتور إدريس الكتاني منهج البحث الإجتماعي القائم على الملاحظة العلمية و المقارنة و التحليل و التفسير من خلال متابعته لعجائب و غرائب المؤتمرات العربية التي كرست و أنتجت واقعا عربيا معاصرا تخلى فيه أبناءه عن الإسلام،و فتحوا الباب على مصراعيه لمذاهب و أفكار غريبة عن الهوية كالقومية و العلمانية و الإشتراكية،دون أن يحقق العرب قاطبة أحلامهم الممثلة في الوحدة العربية و الحداثة بين أمم الأرض،الشيء الذي أدى بهم إلى أن يجدوا أنفسهم خارج سياق التاريخ تتقادفهم أمواج الأمم المتغلبة التي وجدت فيهم القابلية لإعلان الركوع العربي .
إن الكتاب الذي حمل في طبعته الأولى عنوان آخر وهو :” الخريطة القرآنية للمجتمعات البشرية ” طرح في طياته قضية التقدم و الترقي ، حيث أبرز الدكتور الباحث إدريس الكتاني رحمه الله دور زعمائها ككمال أتاتورك و طه حسين و غيرهما كثير من العرب سوريين و لبنانيين ، الذين قاموا بتعبيد الطريق للغرب فيما سمي بالغزو الفكري الذي أوصل الأمة إلى الإنسلاخ الثام عن قيم دينها و توجهاته الكبرى في فهم و تصور طبيعة الإنسان و الكون و الحياة .
لقد تحدث عظيم الأمة الإسلامية المغربي المشمول برحمة الله عن عقوبات إلاهية بدليل النص القرآني الذي اعتمده كليا دون تأويل أو غموض أو دخول في مهاثرات الجدل العقيم،فهزيمة 1967م المخجلة امام دويلة إسرائيل التي كانت لا تزال في طور النشأة،آعتبرها من خلال الأدلة القرآنية القاطعة التي ساقها عبارة عن عقوبات إلاهية معجلة في الدنيا بسبب ارتداد أبناء الأمة حكاما و محكومين عن تعاليم الدين الإسلامي الذي بنى الأسلاف من خلاله حضارة الإسلام الدينية،التي واجهوا به الحضارات اللادينية على مر الأزمنة والعصور .
خلاصة الكتاب في مجمل هذا الكتاب تتمثل في القوانين القرآنية الأربعة التي تقرر مصير المجتمعات الإنسانية و هي على التوالي:
1- قانون الإيمان بالإسلام مدينه عالمي وحيد البشرية كلها .
2- قانون الإبتلاء .
3- قانون الجهاد و شروط النصر .
4- قانون إحباط الأعمال .
أرجوا أن أكون قد وفقت من خلال هذه الفقرات في تقديم خطوط عامة مشوقة لقراءة ما يطرحه المفكر الاسلامي المغربي إدريس الكتاني رحمه الله في كتابه المليئ بالأفكار الجديدة المفيدة،التي تعتبر حقا انطلاقة جديدة في كيفية المحاججة و مواجهة خصوم التيار الإسلامي بشكل واضح و صريح .