هل يمكننا الحديث من خلال المظاهر الدينية التي يعتمدها العاهل المغربي الملك محمد السادس في المغرب على إنسجامه مع مقتضيات الشرعية الإسلامية؟، سؤال لطالما غض الطرف عن مناقشته باعتباره من الطابوهات التي لا حق لأحد في مناقشته من وجهة نظر الفلسفة السياسية الإسلامية ، لأن واقع النظام الملكي في المغرب يعترف في قرارة نفسه أنه من حيث. الفعل و الممارسة لا علاقة له بالمرجعية الإسلامية .
و حتى ننتهي من تصريحات السياسيين و فقهاء السلطان التي يروم من خلالها كل منهما تحقيق غاية في نفسه،لا بأس من التذكير بأن العقل الإسلامي قد أنتج عدة مفاهيم لقيت صداها في الجغرافيا التي عملت على التنزيل السليم للقيم السياسية التي نادى بها الإسلام،و عاش في كنفهما الإنسان حياة ملأها الكرامة و الحرية والعدالة الاجتماعية .
و إذا كانت اللِّيبرالية كتوجه فلسفي سياسي لها رأي تأسست عليه يدعم أفكارا مثل التعددية الحزبية و الحرية والمساواة ، فإن الليبراليون في أوروبا و أمريكا قد تفاعلوا بشكل إيجابي مع مقولات فلاسفتهم الذين يعد جون لوك و ڤولتير و جون جاك روسو و إيمانويل كانط من أبرز المساهمين الأوائل في التنظير لليبرالية السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية عن جدارة و استحقاق، حيث نجد أن البلدان التي تبنت أفكارهم و تنظيرات اللاحقين من مفكريهم الداعمة لحرية التعبير، وحرية الصحافة، والحرية الدينية ، والسوق الحر، والحقوق المدنية، و الديمقراطية، و الحكومات العلمانية قد انتقلت فعلا من أنظمة ملكية شمولية تحكم بإسم الحق الإلاهي للملوك،إلى أنظمة ليبرالية ديموقراطية كتب لها الحياة تحت عنوان سيادة القانون على الجميع دون تمييز .و
في المقابل أيضا ، نجد أن الرأي الفلسفي السياسي الإسلامي بنى أصلا على منطق الحكم الرشيد الذي يعنمد الشورى كآلية، و مجلس الحل و العقد كهيئة استشارية لضبط أسلوب الحكم في تسيير الشأن العام السياسي،إضافة إلى عدة قواعد فقهية سياسية إسلامية بعيدة جدا عن الكهنوتية المسيحية التي أفرزت العلمانية المتطرفة،لذلك يمكننا أن نعتبر المرجعية الإسلامية قد تفوقت على نظيرتها الليبرالية من حيث خدمة الإنسان الذي اعتبرته مركز الكون، و يستحق أن يعيش بعيدا عن الحرية المفرطة المفضية إلى تحطيم شبكة العلاقات الإجتماعية،و التغول الإقتصادي المفضي بالضرورة إلى الإحتكار و الإستغلال و جعل المال يتمركز بين فئة دون باقي الفئات الأخرى .
لقد برزت الليبرالية كحركة سياسية في عصر النهضة و الأنوار كنقيض للحكم الملكي الإستبدادي الذي استند على الكهنوتية الكنسية المنحرفة،حيث حضيت بشعبية لا نظير لها بين الفلاسفة والإقتصاديين في العالم الغربي الى يومنا هذا، لأنها ببساطة كانت ترفض المفاهيم الشائعة العثيقة كمفهوم الإمتياز الوراثي، و الدين و علاقته بالدولة، والملكية المطلقة ، والحق الإلهي للملوك،ذلك أن هذا التطور الذي وصل إليه العقل الغربي سياسيا و اقتصاديا لا يجب أن يجعلنا نغفل أنه نتاج التلاقح الحضاري بين الأوربيين و حضارة المسلمين التي نهلوا منها ،إذ أن الفرنسي “جاك لوكوف” على سبيل المثال اعترف بكل موضوعية من خلال كتابه ” نحو عصر وسيط ٱخر ” أن المسلمين أفادوا الإنسانية كثيرا ، و أمدوها بكل مقومات التفكير السليم .
و إذا كانت الملكيات في أوربا قد آنسجمت مع التغييرات السياسية من حيث صلاحياتها الدستورية،و قدم الأوربيون أرواحهم لنقض أسس استبدادهاو نجحوا،فإن النظام الملكي المغربي تفتقت قريحته منذ النصف الثاني من القرن 20 إلى الربع الأول من القرن 21 الذي نعيشه الآن ليعيد تأسيس نفس المفاهيم السلطانية التي حاربها الإسلام كالحكم التنفيذي الديكتاتوري،و وراثة العرش الغير مؤسسة على مفهوم عصري لتداول السلطة،إضافة إلى البيعة التي تتمظهر في حفل الولاء متناغمة مع منطق ظل الله في الأرض و التأله على الناس،لبظل بذلك المغرب و المغاربة رهينة الأسرة العلوية و حوارييها الذين يفتقرون إلى إجابات منسجمة مع الفلسفة السياسية الإسلامية التي يدعونها افتراءا ليس إلا.
لقد وجد الملك محمد السادس مواطنا خنوعا،و نخبة في معظمها خائنة،و فقهاء ينقسمون بين المطبع مع السلطان،و الفقيه الساكت عن الجهر بالحق،و المتحدث بمقدار،مما حدا بالجميع الى الإستسلام دون أن يجيبوا بجرأة عن قضايا الدين و الدولة،الهوية و الثرات،الأصالة و المعاصرة،الدستور و الحريات العامة و علاقتها بالمحتمع،و غير ذلك من أسس النهوض الحضاري للمجتمعات،الشيء الذي أدى إلى أن يطل علينا حفل البيعة و الولاء في كل 29 يوليوز من كل عام.