إن تقرير منظمة الشفافية الدولية حول واقع قطاع الصحة العمومية في المغرب ، لم تشكل النتائج التي انتهى إليها إلى أي نوع من المفاجأة للفئات الفقيرة والمتوسطة التي تتردد باستمرار على المستشفيات الحكومية ، والتي قررت التعايش مع ما تعتبره فسادا متزايدا بهذا القطاع الحيوي.
فقد جاء في التقرير أن القطاع الصحي في المغرب يعرف أشكالا متنوعة من الفساد ، فمن بين ألف أسرة شملهم التقرير ، اعترف 40% أنهم قدموا رشوة من أجل الحصول على خدمات طبية يفترض أنها مجانية ، في حين قال 59% إنهم فعلوا ذلك فقط لإجراء فحوصات طبية ، بينما قدم 26% رشوة للحصول على العلاج.
وحسب التقرير نفسه ، فقد وصل معدل مبلغ كل رشوة 140 درهما (حوالي 14 دولارا) ، وهو مبلغ لا قدرة للمرضى الفقراء على دفعه في كل زيارة للمستشفى ، مما يؤدي في الغالب إلى تفاقم مشكلاتهم الصحية.
وقدرت منظمة الشفافية الدولية أن الرشوة في قطاع الخدمات الصحية قد تكون حدا بين الحياة والموت . والغريب برأي التقرير أن “السلطات المغربية ممثلة في وزارة الصحة تعرف أدق تفاصيل هذه التجاوزات ولكنها تغض البصر”. و في هذا الصدد اتهم التقرير المسؤولين بـ “نهب” أجزاء من المساعدات الموجهة لتنمية القطاع الصحي وتوفير خدمات أفضل للرعاية الصحية .
سبق للدكتور خالد فتحي المتخصص في أمراض النساء والتوليد بمستشفى ابن سينا بالرباط ، أن صرح بأن تدني أجور العاملين في القطاع خاصة الممرضين والإداريين وقلة التجهيزات الطبية وعدم الاستجابة لمطالب الأطر الطبية تعتبر من أهم أسباب استشراء الفساد في هذا القطاع الحيوي ، ولا يخفي العديد من المرضى وأسرهم تذمرهم واستياءهم من الوضع المتردي للقطاع ، إذ قال بعضهم إن “من يقصد المستشفيات العمومية يحمل كفنه ونعشه معه ، فأبسط العلاجات منعدمة بها”.
و جاء على لسان المريض بالسرطان الطيب بن علال الذي يقصد أسبوعيا مستشفى محمد بن عبد الله التخصصي بالرباط قادما من مدينة وزان (حوالي 165 كلم) إن الحصول على موعد قريب للعلاج بالأشعة يستوجب دفع رشوة ، وانتظار فراغ سرير يتطلب دفع المقابل. أما المريضة حبيبة العلوي (61 سنة) فقالت أنها دفعت مقابلا لتقديم موعد فحصها بشهر في مستشفى ابن سينا بالرباط ، وإن أبسط العلاجات منعدمة.
وللحد من هذه الآفة قدمت منظمة الشفافية الدولية في تقريرها مجموعة من التوصيات والإجراءات قد تكون كفيلة بحماية مستهلكي الخدمات الطبية وضمان علاجهم بما يليق بالكرامة الإنسانية. ومن بين هذه التوصيات ضرورة توخي الشفافية في الصفقات المتعلقة بشراء الأجهزة والأدوية وتفعيل القوانين لمراقبة الالتزام بالمسؤولية ، كما تتضمن التوصيات تسهيل عمليات مراقبة صرف المساعدات الممنوحة وصولا إلى المقاضاة والمحاكمة ، لكن و للأسف الدولة أدارت ظهرها إلى كل هذه التوصيات و غيرها من استنكارات للمغاربة ، لأن صحة المواطن أصبحت سلعة قابلة للاستثمار فيها وجني المزيد من المال وذلك عن فتح مصحات خاصة من طرف مدراء و دكاترة يشتغلون بالمستشفيات العمومية ، وبذلك يتم اصطياد المزيد من الزبناء .
فإن كان هذا القطاع يعرف كل هذه الأشكال من الفساد ، فكيف له أن يوفر العناية المركزة للذين يحملون فيروس كورونا الذي ينتشر في بلدنا بشكل خطير ؟