57
قال المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم في حديث لوكالة تونس إفريقيا للأنباء إن تونس تمكنت من سداد ديونها الخارجية في الأسواق المالية الدولية بقيمة إجمالية بلغت 18.1 مليار دينار تونسي، من سنة 2019 إلى يومنا هذا.
وأشار إلى أن هذه القروض تم الحصول عليها بالدولار الأمريكي (3235 مليون دولار، أي ما يعادل 10.3 مليار دينار تونسي)، و(1750 مليون يورو، أي حوالي 5.8 مليار دينار تونسي)، و(97 مليار ين ياباني، أي 2 مليار دينار تونسي)، مضيفا أن الأمر يتعلق بـ “قضايا واسعة النطاق” تمكنت تونس من الوفاء بها في فترة زمنية قصيرة للغاية (الفترة 2019-2025).
وقال إن “الإصدار الوحيد بقيمة مليار دولار في السوق المالية لهذا العام تم سداده للتو في 30 يناير 2025 (تم التعاقد عليه في يناير 2015، على مدى فترة 10 سنوات)”، كاشفا أن كل ما تبقى للأشهر الـ11 المقبلة هو سداد الديون الثنائية والمتعددة الأطراف (المتعاقد عليها مع مختلف الجهات المانحة والدول الصديقة)، والتي تمثل مبالغ أصغر.
تونس تسدد 1/5 من خدمة دينها العام بحلول الشهر الأول من عام 2025
وأعلن سويلم أيضا أن تونس تمكنت خلال الشهر الأول من سنة 2025، حسب تقديراته الخاصة، من سداد خمس خدمة دينها العمومي (المحلي والأجنبي) للسنة الجارية، أي 5 مليارات دينار من إجمالي 25 مليار دينار (بين أصل الدين والفوائد).
وأكد أن “هذا الجهد الذي تبذله تونس للوفاء بالتزاماتها المالية هائل”، موضحا أن “سداد هذه القضايا الدولية أمر مرهق بالنسبة لاقتصاد صغير مثل اقتصادنا”.
“وعلى النقيض من الديون الثنائية أو المتعددة الأطراف، حيث يتم سداد أصل الدين والفائدة على فترات زمنية متقطعة (على أقساط دورية)، فإن أصل الدين الصادر في الأسواق المالية الدولية يتم سداده “بالكامل” (على قسط واحد في تاريخ استحقاقه). وبعبارة أخرى، من تاريخ الإصدار إلى تاريخ الاستحقاق، نقوم فقط بسداد الفائدة، وفي نهاية أجل القرض، نقوم بسداد أصل القرض”.
وأضاف أنه “على هذه الخلفية، أبدى العديد من الخبراء قلقهم، قبل بضع سنوات، من احتمال لجوء تونس إلى نادي باريس بسبب التخلف عن سداد القروض الخارجية”.
وأضاف أن “حتى وكالات التصنيف وضعت بلادنا في دائرة الضوء، خوفا من فشلها في تحقيق الأهداف المتوقعة منها، بما في ذلك النمو والإيرادات الضريبية وغيرها، وعدم وفائها بالتزاماتها المالية، خاصة وأن تونس اختارت عدم طلب دعم صندوق النقد الدولي”.
في عام 2033، ستكون تونس قد أوفت بجميع إصدارات سنداتها
وفيما يتعلق بالاستحقاقات المستقبلية، قال الخبير المصرفي إن “تونس ستضطر إلى سداد إصدار نهائي مقوم باليورو بقيمة 700 مليون يورو في عام 2026، وإصدار نهائي مقوم بالدولار (150 مليون دولار) في عام 2027. بالإضافة إلى ذلك، هناك أربعة إصدارات صغيرة أخرى بالين الياباني سيتم سدادها بشكل منفصل في عام 2027 (30 مليار ين)، و2030 (15 مليار ين)، و2031 (20 مليار ين) و2033 (30 مليار ين).”
“وبسداد هذه القروض، تكون تونس قد أوفت بجميع إصداراتها من السندات في الأسواق الدولية منذ أول ظهور لها في هذه الأسواق في عام 1994. ونتيجة لذلك، فإن نسبة الدين الخارجي سوف تنخفض تدريجيا إلى أقل من 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي على مدى العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة، مقارنة بـ 69٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018.”
وأشار سويلم إلى أن “نهج تونس في السنوات الأخيرة هو التركيز بشكل أكبر على موارد الاقتراض المحلية، بدلاً من الاستدانة الخارجية”، مضيفاً أن البلاد لم تصدر سندات في الأسواق المالية الدولية منذ عام 2019.
ورغم أن هذا النهج يتمتع بالعديد من المزايا، بما في ذلك خفض قيمة الدين الخارجي والسيطرة على مخاطر سعر الصرف (انخفاض قيمة الدينار التونسي مقابل العملات الدولية)، إلا أنه ينطوي على العديد من العيوب.
وتتمثل أبرز السلبيات في الاعتماد الكبير على الموارد المالية المحلية، وهو ما يقلل من القدرة التمويلية للقطاع الخاص والاقتصاد بصفة عامة، وخطر التضخم وتداعياته على القدرة الشرائية للمواطنين التونسيين، وانخفاض احتياطيات النقد الأجنبي.
“الأصول بالعملة الأجنبية هي الاحتياطيات المستخدمة لتلبية احتياجات اقتصاد البلاد ككل، أي سداد الديون الخارجية، وتمويل الواردات، وما إلى ذلك.”
واعتبر المسؤول أن “هذا المخزون مهم للغاية، من حيث أنه يعمل كممتص للصدمات للاقتصاد، ويحميه من الصدمات الخارجية (ارتفاع أسعار السلع الأساسية، انخفاض عائدات السياحة، إثر جائحة أو حدث آخر، إلخ) ويمتص ضغوط خدمة الديون، ومن هنا تأتي أهمية الحفاظ عليه عند مستوى آمن”.
وأضاف سويلم “إن هذا التعهد الذي قطعته تونس بالوفاء بالتزاماتها المالية، والذي يثبت مرونة اقتصاد البلاد، يجب أن تأخذه وكالات التصنيف بعين الاعتبار. ولهذا السبب نتوقع مراجعة تصنيفنا بالزيادة في الأشهر القليلة المقبلة، بعد تقييم المخاطر التي تواجهها البلاد”.