قصيدة: الليل و الحجاب الثقيل
الشاعرة التونسية سامية خلف الله بن منصور
هذا الليلُ حجابٌ ثقيل،
أمضي ثلثهُ أبحثُ عن زبدِ المعاني
في بحرٍ تاهت عنه الشطان
الشمسُ غافيةٌ كدرويشٍ ملتفٍّ بعباءةِ النور،
والبحرُ صوفيٌّ يهيمُ في رقصةِ الأمواج،
والريحُ، نفَسُ الكون،
تُعرّي أصابعي كأغصانٍ تُصلي في العراء.
الألمُ دائرةٌ لا بداية لها ولا نهاية،
منتصفُ رأسي ساحةٌ للنداءات،
حيث سفنُ الأفكارِ تبحرُ بلا شراعٍ،
تتلاطمُ على صخورِ يقينٍ يذوبُ كثلجٍ تحتَ شمسِ الكشف.
هذا الليلُ مقامُ التجلّي،
في ديرٍ بعيد، راهبٌ يُسبّح أسماءَ الحبّ،
ينثرها في المدى كأنها حروفٌ نورانية.
في الثلث الأخير من الطرق
تتفتّح السبحةُ كالزهور،
تُسقطُ الذاكرةَ كأوراقٍ جافةٍ،
تتداعى الأسماءُ،
ويتلاشى الوقتُ كظلٍّ يبحث عن صاحبه.
والشعرُ نَفَسٌ لاهوتي،
قصيدةٌ تائهةٌ في مدارِ الصمت،
تغوصُ في البئر، تبحثُ عن شفاه الماء
لكنها لا تجدُ إلا المرآة.
رفعتُ الأقلام،
والكلمةُ غابتْ في سدرةِ اللاشيء،
ولم يبقَ لي إلا كأسٌ من ماءٍ قديم،
وآثارُ حباتٍ تُسكِّن جسدي ولا تروي روحي.
في ركنِ الغرفة،
أرنبٌ بريٌّ يعبرُ سديمَ السرير،
يتمرغُ في عشبِ الخيال،
يأكلُ جزرَ الأحرف،
ثم يلتفتُ نحوي بعينين مُضيئتين،
كأنما يسأل:
إن كان الحجابُ قد رُفع،
فهل ما وراءه نحن، أم أننا السراب؟