المخابرات المغربية وزعزعة الثقة في نفوس المغاربة عن طريق الإشاعة
فريد بوكاس ، صحفي باحث و ناشط سياسي
تعتبر الإشاعة من أبرز اهتمامات الاستخبارات ، والتلاعب بالإشاعة موضوع خطير جدا ؛ كونها تعمل على قلب معادلة النصر إلى الهزيمة ، لذا فلدى كل جهاز استخباراتي إدارة خاصة بفن الإشاعة.
وكما أن الإشاعة تصنع صنعا في أجهزة الاستخبارات فهي أيضا تأتي بشكل عفوي ، إِذ إن كل فرد منا عرضة لأن يكون مخترعا وناشرا للإشاعة ، وذلك حينما تتطابق شروطها مع خصائصه النفسية.
يرجع أول سبب لنشر الإشاعة إلى مدى ثقة الفرد بصدق إعلامه المحلي ، فعدم الثقة في الإعلام المحلي يمثل مناخا مناسبا لإنجاح نشر الإشاعة ، ولذا فأية إشاعة أو معلومة مضللة يطلقها الإعلام الذي يدعي المصداقية ( إعلام الاستخبارات ) سيكون مرحبا بها من قبل تلك المجتمعات ، ويصبح مثل هذا المجتمع الذي لا يثق في صحة أخبار إعلامه عرضة لتقبل داء الإشاعة. لذا فالمجتمعات الديموقراطية يقل فيها نشر الإشاعات الاجتماعية والسياسية كون وسائل إعلامهم المحلي مستقلة وحرة على غرار وسائل الإعلام المغربية .
وعلى المستوى الفردي فإن غياب المعلومة عن موضوع ما يولد مناخا مناسبا لزرع الإشاعة، فمثلا لو أن زميلك في العمل تغيب لمدة أسبوع عن الحضور للعمل ولم يكن هنالك مصدر موثق يخبر عن سبب غيابه ، فإن «سبب الغياب» سيكون حالة ناضجة لإطلاق أي إشاعة بل وستكون أنت أحد مروجيها. والسبب الآخر في انتشار الإشاعة هو كون المجتمع المغربي متوتر وقلق حيث يمر بأزمات اقتصادية و صحية وتعليمية و … ، فبذلك تنتشر فيه الإشاعة بشكل سريع .
كذلك الأشخاص الذين يتسمون بالقلق فهم عادة يميلون بطبعهم لتصديق الأخبار الأكثر إثارة ، كون طريقة تفكيرهم تقولبت على الرؤية السلبية للأحداث ، بل إنهم حينما ينقلون الخبر لغيرهم فإنهم من دون قصد يصيغون الخبر بشكل أكثر سلبية مما سمعوه ، وذلك كون عقولهم اعتادت على قراءة الأحداث بالأسلوب السيئ ونشر الخبر بأسوأ الاحتمالات.
ولذا ففي علم النفس يعد الأشخاص القلقون هم أكثر من يسهم في نشر الأخبار والإشاعات السيئة. ومن أسباب انتشار الإشاعة مدى قناعة المجتمعات وكذا الفرد بعقيدة أو فكر معين، فطبيعة أي فرد أنه يتحيز نحو تصديق الخبر الذي يؤكد اعتقاده ويسعى جاهدا لترويجه وإشاعته، بينما يتغافل عن الخبر الذي يضاد اعتقاده ، فأسلوب تفكير الفرد وتعصبه عامل رئيسي في نشر الإشاعات المؤدلجة والمسيسة. فالذي يفكر بالأسلوب الليبرالي أو الشيوعي أو الحزبي أو الديني يسعى لنشر أي إشاعة تتوافق مع فكره ، ويعرض عن نشر أي خبر يصطدم مع فكره.
وما نلمسه الآن على مواقع التواصل الاجتماعي من حروب كلامية بين فصائل متباينة في الاتجاهات والأفكار هو مثال صريح لنشر الإشاعة المؤدلجة أو المسيسة ، حيث يعمد كل فصيل لنشر أي خبر كاذب يهين الفكر الآخر، ويحجم عن نشر أي خبر صادق يمتدح الآخر، وهذا ما يعرف في علم النفس بالتحيز الفكري .
نقطة أخيرة، رغم أننا نسمع العديد من الإشاعات ونظن أن أعدادها كبير إلا أن الكثير منها تموت في أطوارها الأولى ، وذلك بسبب أن أحد شروطها لم يتحقق ، لكن الاستخبارات تعمل جاهدة لخلق إشاعة جديدة كلما ماتت سابقها ، فبذلك إن عدنا مجددا إلى موضوع الإشاعة ، سنلاحظ أن المغاربة الغاضبون تم إبعادهم عن الفكر النضالي عند ظهور حراك الريف الذي امتد إلى جرادة وعدة مناطق أخرى وذلك عن طريق نشر فيديوهات لفضائح جنسية تتعلق بالشيخ الفيزازي ، حتى أصبح الشغل الشاغل للمغاربة آنذاك سوى الحديث عن الفيزازي وحنان .
خلاصة القول ، كل ما شعر النظام باهتزاز ، إلا ولجأ إلى أسلوب الإشاعة وبذلك لا يكف الناس عن الحديث على وسائل التواصل الاجتماعي إلا على ما تلقاه دون التفكير ، فدائما ما يتم تحديث الإشاعة حسب الظروف السياسية التي تمر بها البلاد …