المغرب: التاريخ الأسود للملوك العلويين.
فريد بوكاس ، صحفي باحث وناشط سياسي
لقد بنى الملوك العلويون تاريخهم على استعباد البشر وتحويله إلى رقيق سواء كان الجنس عربيا أو أمازيغيا… فأحد مؤسسي هذه السلالة وهو مولاهم إسماعيل الذي حكم في القرن السابع عشر ، بنى فلسفة حكمه على اعتبار كل من ليس علويا فهو عبد وعلى الجميع الركوع للعلويين وطاعتهم ، والملك المذكور هو أول من جعل في قصره 500 حريم ما بين زوجة وجارية وجعل له جيشا من العبيد قوامه 150 ألفا فردا. وبسبب هذا الفحش في القصور وكثرة الحريم والرجال لم يعد أحد يعرف من هو بن الملك ومن هو من ليس ابنه. وبسبب هذه السياسة شاعت ثقافة الخوف في المملكة منذ تأسيسها ، وحتى تعيش عليك أن تكون عبدا أو إذا حاولت أن تتفلسف ستقتل.
بدأ عصر الرعب ينتشر في أوصال المملكة خاصة منذ أن أصبح الاغتيال وتصفية الحسابات هما اللغة الوحيدة السائدة في كل قصر. ففي سنة 1664م تمكن الأخ الأصغر للملك سيدهم محمد الثاني بن الشريف من قتله وحيازة كل ممتلكاته بسبب رواج قول في القصر يقول أنه ليس أخوه. وبعد ذلك جاء دور الملك الدموي الشهير في تاريخ العلويين وهو أبو الناصر مولاهم إسماعيل بن السمين الذي تزوج عددا لا يحصى من النساء وخلف من الأولاد ما عدهم 700 وآخرهم ولد بعد ثمانية عشر شهرا من موت الملك.!
فالملك المقصود قتل حوالي عشرين من أبنائه بسبب محاولتهم الاستيلاء على العرش والقصر وبسبب تحريض أمهاتهم لهم أنهم ليسوا أبناءا للملك وإنما من رجال آخرين. ومن بين هؤلاء “الأبناء” (ولا للحصر) الذين قتلوا : مولاهم محمد العلم بن إسماعيل الذي قتل بيد أبيه في قصره سنة 1706م بعد أن قطع يده اليمنى ورجله الأيسر ، ثم جاء الدور على مولاهم محمد زيدان بن إسماعيل السمين الذي قتل بتحريض من والده لبعض زوجاته بسبب طمعه في الملك والحكم. ولم يكن مصير مولاهم بن عبد الملك إسماعيل أحسن حالا ممن سبقه إذ قتل بيد والده بعد اتهامه بالتآمر عليه سنة 1696م ، بعده قتل شقيقه الناصر بن إسماعيل السمين بنفس الطريقة سنة 1714م ، أما أخوه الناصر بن إسماعيل فقد فر خوفا من القتل إلى إسبانيا ثم إيطاليا وفرض عليه التنصر والتخلي عن الإسلام حتى يقبل منه اللجوء السياسي.
ولم يرتوي هذا الملك من دم أبنائه بعد فقد قتل بيده ولده الآخر محمد المتوكل سنة 1704م بعده قتل أخوه محمد المتيس في نفس السنة وبذات الطريقة. وجاء الدور على كل من أبنائه حفيظ ومحمد المنتصر و محمد الديفي و محمد الرشيد وكلهم بيد الوالد. وبقي القتل هو اللغة الوحيدة في المغرب حتى صار الخوف ثقافة في النفسية المغربية…
وإذا كان تاريخ الملوك العلويين دموي فهو لم يكن كذلك مع أعدائهم بل مع أصدقائهم وفيما بينهم ، فبالعكس فالتاريخ لا يذكر لنا أنهم حققوا نصرا واحدا على مدى تاريخهم الطويل في المغرب ، لكن نفس التاريخ يذكر لنا ذلتهم أمام الاستعمار ورفض مقاومته له. فمثلا سلم مولاهم عبد حفيظ المغرب لفرنسا دون طلقة واحدة سنة 1892م ، وتآمر مع الفرنسيين ضد القوى المغربية الوطنية وأوقع بها ، وجاء الدور على محمد الخامس ليوقع مع الفرنسيين اتفاقية يقايض فيها استقلال المغرب ببقاء أفراد أسرته في السلطة.. وجاء الحسن الثاني يوقع مع إسبانيا اتفاقية يقايض بها سبتة ومليلة.
وإذا تتبعنا تاريخ هذه الأسرة فنجد أنها كانت دائما عدوا لشعبها وجيرانها بينما كانت صديقة وفية للأعداء الحقيقيين للأمة.
ما لحق مرآة لما سبق…
ولعل من بين ملوك العلويين الذين طبقوا غرس سياسة وثقافة الخوف هو الملك الحسن الثاني الذي كان يؤمن بها إيمانا شديدا ويعتقد أنها ناجحة وناجعة ، فهو الذي أخضع المغاربة بقوة السيف لسلطته ورسخ بين صفوفهم هذه الثقافة المقيتة. كان مصابا بمرض العطش للدم فالكثير من معارضيه قتلهم بيده مثل أوفقير وزير داخليته السابق كما أعطى الأمر شخصيا لتذويب المهدي بن بركة في الحامض وهي طريقة جهنمية لم يلجأ إليها أي أحد في التاريخ قبله.
إن هذا التاريخ الطويل المليء بالدم والانتقام بين الملوك العلويين أنفسهم أوصل الحال إلى ما هو عليه الآن ، فالمغربي الآن يشعر دائما بالخوف من الملوك ويتحاشى الحديث عنهم ، وخوفه ناتج عن الحكي المروع لتاريخ هذه الأسرة الحاكمة الانتقامية التي رسخت في العقلية المغربية على مدى قرون أنها سيدة ومطاعة بفضل السيف والموت.
لقد أخلطت الأسرة العلوية تاريخ الدم والسيف بتاريخ الشرف ، وإذا كنا نظن أن المغاربة يخشون الملوك العلويين لأنهم شرفاء مثلما ظن مقاتلنا في العملية التي أسر فيها الجندي المغربي فإن الحقيقة أنهم يخشونهم بسبب بطشهم ونقمتهم وتعطشهم الدائم إلى الدم. فاليوم حين نزور الشارع المغربي نلامس الحقيقة عن قرب ، نجد أن المغربي لا يخشى الملوك فقط ولكن يخشى حتى حاشية النظام برمته ويرتعد منه لإن النظام وتوابعه مثلما نظر له أوائل العلويين يجب أن يكون من العلويين أو على الأقل تربطه بهم صلة مثل صلة التبعية والعبودية . فعلى مدى قرون بقيت جبال الخوف والهلع تترسب في النفسية المغربية حتى صارت ثقافة يتوارثها المغاربة ، فهم يظنون مثلا أنهم إذا لم يخرجوا للاحتفال بميلاد بنت للملك ستصيبهم لعنة الملك أو سجنه أو غضبه ، وتقول الأسطورة العلوية أنك إذا عصيت الملك ستصاب بمكروه لإنه شريف ، لكن الحقيقة أنك إذا عصيت الملك سيصيبك سوط شرطته. فالآن في الشارع المغربي تجد أن المغربي خائف من العامل والشرطي وكل من له علاقة بالنظام ، فالشرطي مثلا أو الضابط يستطيع أن يدخل السوق أو القهوة ويشرب ولا يدفع الثمن إذا أراد ولا أحد يستطيع أن يكلمه أو يشكوه لجهة ما.
ولم تكتف المملكة بشحن النفسية المغربية بالخوف من النظام وأزلامه بل أنها أنشأت شبكة من الخوف في كل مكان ؛ فأكثرية المغاربة يعملون الآن مخبرين للنظام ويتقاضون أجورهم من ذلك وحين تكون عاملا في هذا السلك عليك أن تبلغ يوميا عن كل ما يحدث صغيرا أو كبيرا حتى تتقاضى أجرك وعليك أن تتهم الناس وتكتب عنهم التقارير وتراقب ذويك وإلا ستطرد. لقد أحدثت هذه المهمة القذرة شرخا كبيرا بين صفوف المغاربة فصار الإبن يتجسس على والديه والبنت تتجسس على صديقاتها وكل واحد خائف من الآخر ، فمثلا في عائلة واحدة حين تجتمع على كؤوس الشاي لا أحد فيها يستطيع أن يتحدث في السياسة أو يذكر الملك بسوء خوفا من أن يكون بينهم من هو مندس ومخبر للنظام والشرطة.
من جهة أخرى بدأ حديثا الترسيخ لثقافة الخوف من الملك أكثر من خلال وسائل الإعلام، فالحكومة ومجلس الوزراء يدخلون إلى صالات الاجتماعات وهم يرتعدون خائفين ويزداد المنظر هيبة حين يدخل الملك فينهضون جميعا ليقبلون يده من الجهتين ويركعون وهذا كله ينقل على شاشات التلفزيون. ثم أن ملوك هذه الأسرة رفضوا على مدى تاريخهم التخلي عن عادة إحاطتهم بجو من الخوف فهم لا يرضون اللقاء مع أحد ما لم يقبل أيديهم ، فالبرلمان مثلا على كثرة أعضائه عليهم كلهم تقبيل يد الملك إذا شاركهم جلسة ما حتى لو قضى التقليد ساعتين أو ثلاثة فالمهم عند الملك هو ركوع هؤلاء أمامه وليضيع الوقت ما شاء. ورغم ما في ذلك من بلاهة وقلة أدب إلا أن الملوك العلويين يظنون إلى حد الآن أنهم متى تخلوا عن عادة تقبيل الناس لأيديهم سينتهون وأن الخوف منهم هو الذي يجعل بقائهم في السلطة يطول…
في أوروبا يتحمل المغاربة واقع الهجرة القاسي ، فالمهاجرون منهم ليسوا مثل بقية المهاجرين فهم يتحملون سب وغضب مسؤول الشركة ورب العمل ويتحملون إهانته في حين أن الآخرين لا يتحملون ذلك. لقد نقل هؤلاء المهاجرون ثقافة الخوف إلى الخارج فتجدهم دائما خائفين خانعين راكعين ويعاملون أرباب العمل مثلما يعاملون الشرطي أو العامل في بلدهم فتراهم يركعون ويقولون ” أنعم سيدي .” ويتملقون كأنما هم مصابون بداء الخوف المزمن . إن العتب يعود دائما إلى المملكة التي قتلت فيهم روح الإنسانية وجعلتهم شعبا خائفا في كل مكان يصلون إليه.
وأعتقد أنه آن الأوان لوضع حد لهذا المرض الذي نخر جسم المواطن المغربي منذ قرون ، لأن الخوف من الأمراض النفسية المزمنة التي تحتاج لعلاج طويل الأمد . وحتى لا يرث أحفادنا هذا الداء علينا البحث عن علاج بديل وخصوصا بعدما أن ظهرت بعض الأدوية الناجعة في كثير من البلاد ومن بينها جارتنا الجزائر التي انتفض الشعب ضد الخونة وعملاء فرنسا.