الجزائر تعلن عن حرب واسعة على سوق العملة السوداء
وكالة المغرب الكبير للأنباء
تمثل السوق السوداء، أو الاقتصاد غير الرسمي، مشكلة طويلة الأمد للاقتصاد الجزائري، حيث لها آثار مدمرة على المالية العامة. ويصل حجم هذه الظاهرة إلى حد أنها تمنع تحصيل الضرائب وتشوه المنافسة وتؤدي إلى النمو المستدام للبلاد.
وفي مواجهة هذه الآفة، يقترح قانون المالية لعام 2025 تدابير استراتيجية للقضاء على السوق السوداء، والحد من القطاع غير الرسمي، وتشجيع دمج الاقتصاد غير الرسمي في الإطار القانوني. وتعمل هذه التدابير على تعزيز الترسانة القانونية والاقتصادية اللازمة لتنظيف النظام، وتحسين الشفافية، وتعزيز اقتصاد أكثر تنظيما.
وتضع السوق السوداء حدوداً لجميع الأنشطة الاقتصادية التي تتم خارج القنوات الرسمية، وبالتالي تتهرب من الالتزامات التنظيمية والضريبية. وهي تمثل جزءا كبيرا من الاقتصاد الجزائري، في العديد من القطاعات بدءا من تجارة السلع الاستهلاكية إلى المعاملات العقارية بما في ذلك القطاع الحرفي. ولا تعاقب هذه السوق الموازية الدولة التي تخسر جزءا كبيرا من إيراداتها الضريبية فحسب، بل تعاقب أيضا الشركات التي تحترم القانون والتي يتعين عليها أن تواجه منافسة غير عادلة.
والعواقب متعددة: التهرب الضريبي، وغسل الأموال، وانعدام الشفافية في المعاملات الاقتصادية. وتؤدي هذه الممارسات في نهاية المطاف إلى تآكل القدرة التنافسية للبلاد، في حين تغذي عدم الاستقرار الاقتصادي. وفي هذا السياق، يتدخل قانون المالية 2025 في إصلاحات لمكافحة هذه الآفة.
تم تصميم مشروع قانون المالية لعام 2025 بهدف هيكلة الاقتصاد وتقليص حصة القطاع غير الرسمي تدريجياً. وبحسب ما قاله لي لزار نصر الدين، محامي الأعمال والخبير في القانون الاقتصادي، في مقابلة مع صحيفة الوطن ، فإن القانون يمثل “هجومًا على القطاع غير الرسمي”، من خلال هدفه إلى إحداث تحول جذري في آليات الرقابة الضريبية والممارسات التجارية الوصول إلى الموارد المالية. فيما يلي نظرة عامة على التدابير الرئيسية المقترحة.
1: رقمنة المعاملات الاقتصادية
ومن المحاور الرئيسية لقانون المالية 2025 لمكافحة السوق السوداء، تسريع رقمنة المعاملات الاقتصادية. ويهدف هذا الإجراء إلى الحد من استخدام المدفوعات النقدية، التي غالبًا ما ترتبط بالأنشطة غير الرسمية. إن الانتقال إلى المدفوعات الإلكترونية لا يجعل من الممكن تتبع التدفقات المالية فحسب، بل يتيح أيضًا الحد من عدم الكشف عن هوية المعاملات.
ويؤكد ليزار نصر الدين أنه “من الضروري تطوير ثقافة رقمية قوية لردع السلوك الاحتيالي وتعزيز إمكانية تتبع التبادلات التجارية”. ومن خلال تشجيع الدفع ببطاقات الائتمان أو التحويلات الإلكترونية أو حلول الدفع عبر الهاتف المحمول، تأمل الدولة في تقليل الحوافز لاستخدام السوق السوداء.
2: تعزيز الضوابط والعقوبات الضريبية
بالنسبة لي ليزار، تمثل مراجعة إطار الرقابة الضريبية نقطة تحول حاسمة. ينص قانون المالية 2025 على سلسلة من العقوبات المشددة على الشركات والأفراد الذين يمارسون أنشطة غير رسمية أو الذين يخفون دخلهم. ويؤدي تعزيز الضوابط الضريبية إلى تحسين التنسيق بين مختلف الإدارات الضريبية، ولكنه يؤدي أيضا إلى زيادة الغرامات وأحكام السجن للمحتالين.
وتقوم الحكومة أيضًا بتطبيق أدوات تكنولوجية لمراقبة المعاملات المالية لتسهيل التعرف على عمليات الاحتيال والمخالفات. ويضيف مي لزار أن “إرساء رقابة ممنهجة على التعاملات الكبيرة وتطبيق عقوبات صارمة سيكون له أثر كبير في ردع اللاعبين في السوق السوداء”.
3: تبسيط الإجراءات الإدارية
تتمثل إحدى العقبات التي تحول دون إضفاء الطابع الرسمي على الاقتصاد غير الرسمي في تعقيد الإجراءات الإدارية والضريبية. يقترح قانون المالية لعام 2025 تبسيط عمليات تسجيل الأعمال وإقرار الدخل، خاصة بالنسبة للشركات الصغيرة والعاملين لحسابهم الخاص.
وتشمل التدابير إنشاء مراكز متكاملة لتسجيل الشركات الجديدة، فضلا عن تبسيط الإجراءات الضريبية. ويوضح الوزير نصر الدين أنه “من خلال تبسيط الإجراءات، وخاصة تكاليف الدخول إلى القطاع الرسمي، تسعى الدولة إلى تشجيع الفاعلين الاقتصاديين على الانتساب القانوني والاستفادة من الحماية الاجتماعية والمالية المرتبطة بها”.
4: حوافز ضريبية لتشجيع إضفاء الطابع الرسمي
ومن التدابير الرئيسية الأخرى لقانون المالية لعام 2025 تقديم حوافز ضريبية للشركات التي تختار التنظيم. وتشمل هذه الحوافز التخفيضات الضريبية والإعانات وتسهيلات التمويل. وهذه المزايا موجهة بشكل خاص للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم وكذلك العاملين في القطاع غير الرسمي، من أجل جعل الانتقال إلى الاقتصاد الرسمي أكثر “متعة”.
وأشار ليزار نصر الدين إلى أن هذه الحوافز الضريبية كانت حاسمة “لتقليل الحواجز أمام الدخول إلى القطاع الرسمي” وأنه يجب أن تكون مصحوبة بتدريب مناسب لرواد الأعمال على مزايا التنظيم. ويضيف أيضًا أن “القانون يهدف إلى خلق بيئة اقتصادية أكثر جاذبية للمستثمرين القانونيين مع القضاء على الممارسات غير الرسمية”.
السوق السوداء تقاوم
ولن يكون تنفيذ هذه الإصلاحات خاليا من التحديات. وفي الواقع، فإن مقاومة التغيير من جانب الجهات الفاعلة في السوق الموازية ، التي تستفيد من المرونة والتكاليف المنخفضة المرتبطة بالعمل غير الرسمي، يمكن أن تؤدي إلى إبطاء التحول إلى الاقتصاد الرسمي. كما يخشى بعض اللاعبين الاقتصاديين من تحمل أعباء إدارية وضريبية إضافية في حالة التسوية.