صاحبه الصمت و جالسه السكون …

صاحبه الصمت و جالسه السكون ...

صاحبه الصمت و جالسه السكون …

مع تحيات : فريد بوكاس

بعدما أن تساقطت الأوراق ، عاودنا شعور سطحي بالأشياء وكأننا وصلنا بالخيال إلى منتهاه ، متحجرين في سلوك بليد . إنه لصعب اختيار الصفة لهذا البرود ولهذا الحزن البلا سبب ، فالمبنى العظيم أصبح مسكنا وضيعا وما من عمامة تذرع دوره الأقل شأنا . حتى بيت النباتات الزجاجي لم يكن بهذه الحاجة الماسة إلى الطلاء لأن المدخنة عمرها الآن ستون عاما ومائلة ولا أعتقد أنها في حاجة للصيانة . جهد جبار أخفق منذ عقود ، وتكرار السيناريو يصب في طبيعة تكرار ممل للبشر وحتى للذباب . مع ذلك ، فغياب الخيال كان ينبغي أن يكون هو نفسه تخيله . الماء الشبيه بزجاج وسخ ، يعكس سكونا نوعيا ، سكون جرذ خارج مستطلع على البركة الكبيرة وأكوامها … هذا كله ، كان ينبغي تخيله كمعرفة بالأشياء لابد منها لأنها مطلوبة كما تتطلبها الضرورة …

 

فلو كان النوم هدنة ، استراحة بسيطة ، بماذا تشعر حين تستيقظ فجأة و تجد بأنه سرقت منك الثروة ؟ إذن لماذا نكره النهوض عند الصباح ؟ لأننا بكل بساطة نخسر سحرا خارقا ، حميما لا يمكن تلقي فيه إلا مستتر تحت ذهب الأحلام المحير ، هبة الليالي وربما البرهان الغامض لفلك غير زمني ، وليس له ما يسمى سحره بفضيلة قصوى . الصحو يشوههنا في مراياه حين يفتح النوم لنا جدرانه السوداء . ماذا يا ترى ؟ من سنكون هذا المساء ؟ و لماذا لا نستيقض مرة واحدة أو ننام إلى الأبد ؟

 

شيء ما كان يسقط في الصمت. كلمتي الأخيرة كانت “أنا” لكنني كنت ألمح إلى الفجر المضيء … شوقي اللا متناهي  نحو سقوطي اللامتناهي ، إلى حيث لا ينتظرني أحد  لأنني وأنا أنظر إلى ما ينتظرني  لم أر سوى ذاتي ، و إن لم أتزحزح فالعناكب ستنسج بيوتها ما بين أذني والطيور ستخلف أعشاشها في حذائي والطرق ستشيد فوق أصابع قدمي   …

 

فها هو صاحبه الصمت و جالسه السكون ، و فجأة و بلا استئذان مرت لحظات من سنوات مراهقته كشريط سينمائي أمام عينيه اللتين أظلمتا ، فجأة استرجاعا لذكريات كبلت عقله لسنوات خلت و حكمت تصرفاته لفترات مرت.. لولا أن هذه الحياة و إن وضعتك في حجرة مظلمة ، ظلامها و إن مكث طويلا لا يقيم ، إلا أنها تفتح لك نوافذ و إن صغر حجمها إلا أن نور الشمس يخترق زجاجها ليضيء الزوايا..

 

ترددت الكلمات في عقله.. كلمات لطالما وجهت له و من أجهله حتى صدقها و ترسخت في أعماق عقله منطو..لا بل معقد..غريب..لا بل مريض لا يتكلم..لا يجالس أحدا… دائم الصمت..أجاء من المريخ ؟

 

ربما.. لا بل أكيد..إذن..لا تلينوا له كلمة، و لاتلقوا له سمعا.. بل أذيقوه من مر الدواء.. لعله يأتيه بشفاء ، اقلبوها سخرية.. لعل النتيجة تكون سحرية .

شدوا الوثاق.. وضيقوا الخناق ، اصمتوا جميعا..ها هو يتكلم ، فلنستمع.. يُلقى السمع و العيون بالسخرية تشع. يتلعثم المسكين.. و إلى وحدته يشده الحنين..ما هكذا يحب و لا أنتظر أن يعامل.. و لا بهكذا طريقة يكسبون وده و يخرجونه من صمته ، بل لا يزيدونه إلا يقينا أن وحدته خير له من جمع الساخرين هذا.. جمع يكفيه أن ير و يكتشف نقطة ضعفك ليحولها إلى ورقة رابحة في يده يلوح بها أمام ناظريك كلما خطر له أن يعلمك درسا(هذ افي ظنه).. لكن ما يرسخ في ذهنك سوى أن الحكمة لا تتأتى لأي كان..

 

استرجع ذكرياته..لا لحقد استوطن قلبه ، و لا لكره خالج مشاعره . ببساطة لأنه..سامح ، لاسامح .. لكنه لم ينس ، لاسامح.. لكن لا زال لسوء رد الفعل صدى في طيات ذكرياته المنسية ظاهريا و المحفورة في عمق عقله باطنا و عن سابق رغبة في تسجيل مواقف لا تمت للحكمة بصلة.. مواقف هي إلى الجهل أقرب منها إلى حكمة التصرف ، مواقف جعلته يقسم مقربيه إلى قسمين:

* هذا صاحب لحظة دردشة عادية..لا تعطه سرك، و لا تبح له بما في قلبك..لا يعرف النصح، بل أصلا لا يتقن فن السماع..أحكامه جاهزة و سوط كلماته لاذع.. مثقف متعلم لكن جهله مدقع..

* وهذا سريع البديهة لبيب..عقله بسيط، لكن فعله – في تحسيسك أنك سوي غير عليل – عظيم..لا بمظهر آخذ.. ولا على تصرف مرحلي حاكم..

و ما كانت إلا مرحلة عابرة.. سنوات ما هي إلا فترة مارة و كان لا بد لها أن تمر ، مرحلة بحق تزيل برقع تصنع الحكمة عن تصرفات الجاهلين ، مرحلة خرج منها بحكمة تردد: اسخروا مني اليوم.. أنفر منك غدا

About The Author

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *