قد أصبح للتضليل المعرفي في المغرب ، منتجون ورعاة كثر . هناك مؤسسات مخزنية أو ممخزنة تستثمر فيه لتلهي الجماهير وذلك عن طريق صحف وقنوات تليفزيونية ينفق عليها بسخاء من جيوب دافعي الضرائب . وهناك مثقفون مرتزقة يزعمون أنهم بحثوا وأنتجوا معرفة رصينة ، في حين أن أكثر ما يقدمونه لا يزيد عن خطابات مخزنية عفى عليها الزمن .
وهناك مطابع تصدر كتبا ومجلات وصحفا صفراء كثيرة ، ثم أضف إلى كل ذلك وسائل تواصل اجتماعي متعددة وقعت في أيد غير مدربة لا على استلام المعرفة ولا على تناقلها ، أياد تحركها عقول انطباعية غارقة في حب الإثارة ، ما أن تتلقى خبرا غير موثق إلا وتعيد بثه وترويجه .
ومع زيادة أعداد منتجي المعرفة انفتحت نوافذ عديدة على مصراعيها أمام أنصاف متعلمين وانتهازيين ومرتزقة وأصحاب هوى ، كل منهم يدعي أنه يساهم في توعية الناس وخدمتهم وتعريفهم بما يجهلون . وهم في ذلك يستعملون أساليب لئيمة للتضليل المعرفي تشمل من بين حيل كثيرة ثلاث طرق أساسية هي الاختلاق والاجتزاء والتشكيك . هناك أولا الاختلاق أو جملة الأخبار اليومية المزيفة التي تفبرك وتُدَسُّ لتنقل للناس روايات مكذوبة عن أشياء لم تحدث وتغرس في أذهانهم صورا مغلوطة عن تصريحات لم تُقَال ولقاءات لم تنعقد وصفقات لم تتم وهجمات لم تحدث . وتمارس مثل هذا الدس والاختلاق وجوه لا تخجل ، غالبا ما تعمل تحت رعاية وحماية المؤسسة الملكية ، وذلك أمر على جانب كبير من الخطورة عندما نرى أن تجهيل الناس يجري تحت إشراف مؤسسة يُفترض أنها ترعى التوعية و محاربة الجهل …
وعندما تقاوم الفساد لدى مواطنين ( مسؤولين جهويين- مديرين مركزيين.رجال أعمال..) فإنها مقاومة مجتمعية ميسرة نسبيا بالقوانين و الأليات المتاحة حاليا ، ولكن عندما تتعلق المقاومة بشبهة فساد لرئيس الدولة و رئيس الحكومة فإنها تصبح مقاومة سياسية لأعلى هرم السلطة ، فبذلك لم تعد تقاوم الفساد فقط وإنما تقاوم السلطة و النظام .
ومعلوم أن السلطة ستستعمل كل الوسائل الأمنية و المالية والمعنوية لمواجهة كل متهميها و أحيانا بأقصى قوة من التعسف و القمع . فالسلطة الفاسدة سرعان ما تتحول إلى سلطة ديكتاتورية قمعية لأنها تسعى للمحافظة على سلطتها أولا و مصالحها ثانيا ومصالح أتباعها ثالثا. فهي تسعى إلى توسيع نطاق فسادها على المحيطين بها ورشوتهم بجزء من منابات الفساد ليصبحوا من التابعين لها و المدافعين عنها.
تلك هي فيزيولوجيا تشكل نظام ديكتاتوري ، فساد يحمي الديكتاتورية و ديكتاتورية تحمي الفساد …
كما أن الإفلات من العقاب ، وعدم إمكانية الحصول على المعلومات ، وضعف المؤسسات ، والفقر الذي يخلفه الحكم الفاسد وعدم المساواة ، والافتقار إلى الديمقراطية ، والتمييز ، هي مجالات يحتمل أن يكون فيها الفساد سبب حرمان الناس من حقوقهم كما قد يكون في أحيان كثيرة سببا أساسيا من الأسباب التي تؤدي إلى نشوب النزاعات .
فالحاكم الذي يطلب الحكم ويحرص عليه ، ويُحصله ويحصنه بكل السبل الممكنة ، ويعتبره مغنما ومكسبا وفوزا فهو حاكم فاسد ، بخلاف من يطلبه الناس ويستنهضونه ويرشحونه لحكمهم والولاية عليهم ، ويعتبر الحكم أمانة وتوكيلا ، فهو حاكم راشد .
و من يُحصن نفسه وحكمه بالقوة والمنعة والأبهة والترغيب والترهيب فهو حاكم فاسد ، ومن يحصن نفسه بالعدل والإحسان والحب والوفاء فهو حاكم راشد .
من يقبل نقده والاعتراض عليه والنصح له ، بل يطلب ذلك ويرحب به ، فهو حاكم راشد صالح . ومن يرفض ذلك ويمنعه ويعاقب عليه ، فهو حاكم فاسد طالح .
من يتصرف في الأموال العامة وفق الحق والعدل والأمانة والوضوح ، ووفق ما يخدم المصالح العامة ، ويقبل المراجعة والمحاسبة في ذلك ، حاكم راشد ، ومن يتصرف فيها على مقتضى مزاجه وعلاقاته ومصالحه الخاصة فهو حاكم فاسد …