المغرب:القصر الملكي والموظفون الأشباح تحت إسم مستشار الملك.
فريد بوكاس صحفي باحث وناشط سياسي
رغم أن المستشار الملكي يتقاضى راتبه من الميزانية العامة للدولة من خلال ميزانية القصر الملكي ، إلا أنه لا يوجد في الدستور أو القوانين ما ينظم هذه المهمة أو يؤطر عمل أصحابها.
إن غياب الإطار القانوني الذي يؤطر مهمة المستشار الملكي ، ينبع من كون صاحب هذه الوظيفة ليس مجرد موظف شبح مثل العديد من المستشارين الأشباح الذين يملئون الوزارات والمجالس واللجان الاستشارية، بما أن لهم وضع اعتباري وبروتوكولي ، يحضرون المراسيم واللقاءات الرسمية والمجالس الوزارية التي تعتبر بمثابة مؤسسة دستورية ، ويقرؤون الرسائل الملكية التي تكون حاملة لقرارات وتوجيهات من الملك إلى المؤسسات الدستورية الأخرى بما فيها الحكومة والبرلمان والقضاء.
ورغم أن المستشار الملكي يعين بظهير شريف ، لكن لا وجود لنص قانوني أو في الدستور ينص على ذلك. وحتى في الفصل 49 الذي يتناول التعيينات في المناصب الكبرى داخل المجلس الوزاري ، والتي تتم حسب ما ينص عليه الدستور باقتراح من رئيس الحكومة ، أو بمبادرة من الوزير المعني ، لكن من بين كل هذه التعيينات لا يوجد ما يشير إلى تعيين المستشار الملكي.
وتكمن خطورة وحساسية هذا المنصب في كون صاحبه يعلب دورا حاسما في تحديد الخيارات أو صناعة القرارات التي التي يكون لها تأثير مباشر على السياسات العمومية ، ومع ذلك فهو لا يخضع للسؤال أو المراقبة من أية جهة مؤسساتية.
ولقد رأينا في السنوات الأخيرة كيف كان دور بعض المستشارين الملكيين في حسم قضايا مهمة واستراتيجية مثل قضية المرأة ، وإعادة هيكلة الحق الديني ، القضية الأمازيغية ، قضية التعليم و … ، وأخيرا وليس آخرا صياغة الدستور الذي يعتبر أسمى قوانين البلاد ، وأسندت رآسة لجنة صياغته إلى مستشارين ملكيين.
ويتعاظم دور المستشار الملكي عندما نعرف أنه يشتغل داخل ولحساب المؤسسة الملكية التي تعتبر ، حسب دستور 2011 الممنوح ، المؤسسة المركزية داخل بناء النظام المغربي ، ومازالت تشتغل حسب تقاليد وأعراف تضعها في عمق وجوهر كل الخيارات السياسية والدينية والأمنية والمجتمعية والاقتصادية الكبرى للدولة.
كما لم يعد خافيا تدخل المستشارين الملكيين في السياسة العامة للدولة ، وقد سبق لرئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران أن اعترف بإن المستشار الملكي يبقى صاحب “مكانة خاصة” لا يؤطرها أي قانون ولا يخضع لمراقبة أية سلطة سوى سلطة الملك التي تعتبر في النظام المغربي سلطة مطلقة ، وبالتالي فمن يعملون تحت إمرتها يتمتعون كما يمكن أن يتأذون بما لها من سلطات مطلقة …
من نحن ، شعب أم أمة ؟
إن النظام السياسي بالمغرب يرتكز حسب منطوق الدستور على كون السيادة للأمة تمارسها مباشرة عبر الاستفتاء ، و بطريقة غير مباشرة بواسطة المؤسسات الدستورية . إلا أن الدستور لم يوضح من هي هذه الأمة ، هل هي مجموع الناخبين (المغاربة البالغ سنهم 18 سنة فما فوق) ، أم هي كافة المغاربة المقيمين على أرض المغرب؟
و مهما يكن من أمر فهي ليست الشعب ، لأنه إذا كان الأمر كذلك لاستعمل الدستور المغربي لفظة الشعب عوض الأمة، اعتبارا لكونها أكثر دقة و تداولا من طرف الجميع.
إذن في منظور الدستور المغربي ، السيادة للأمة و ليست للشعب ، علما أنه استعمل عبارتي أمة و مواطنين و لم يستعمل لفظة الشعب بالمرة . فحسب الدستور المغربي السيادة للأمة و للملك حق ممارسة السيادة باعتباره الممثل الأسمى للأمة ، و باعتبار ملك المغرب يسود و يحكم ، خلافا لما هو الحال في الملكيات الدستورية الغربية حيث الملك أو الملكة يسود و لا يحكم.
فالملك بالمغرب يعين رئيس الحكومة من الحزب الحاصل على أغلبية المقاعد في البرلمان و حتى و إن كان الفارق مقعد واحد ، والحكومة المغربية مسؤولة أمام الملك قبل أن تكون مسؤولة أمام البرلمان . و للملك سلطة حل البرلمان و هذا من شأنه فتح المجال لممارسة السلطة التشريعية ، علاوة على إعلان حالة الاستثناء و هي سلطة غير محدودة ، كما يمكن للملك تعديل الدستور و تقديم مشروع دستور للاستفتاء . و سلطة الملك حسب الدستور سلطة مطلقة و هي دستوريا في مأمن من أي اعتراض اعتبارا لأن شخص الملك مقدس لا تنتهك حرمته ، علما أن الحصانة البرلمانية بالمغرب لا تشمل التعبير عن آراء تجادل في النظام أو في المؤسسة الملكية. و هذا الواقع يتعارض مع حق المواطنين في انتقاد الحاكمين كما تنص على ذلك مختلف المواثيق الدولية.
لكن هل فعلا الدستور المغربي يضمن تكريس الديموقراطية؟
أولا إنه دستور ممنوح ، لم يساهم الشعب المغربي في بلورته ، و إنما عرض عليه للتصويت بعد منحه مهلة أسبوعين للتفكير ، و تم التصويت عليه ” بنعم ” وحتى الأموات شاركوا في التصويت ، و بذلك حدد المواطنون الأحياء منهم و الأموات مستقبلهم و مستقبل الأجيال القادمة إلى أن يعرف المغرب دستورا آخر.
و الدستور المغربي يمنح الأولوية للحكومة في تحديد جدول أعمال الغرفتين(مجلس النواب و مجلس المستشارين) و بذلك يمكنها في أي وقت – بمقتضى الدستور- إرجاء النظر في مشاريع القوانين التي لا تروقها و لا توافقها. علاوة على أنها ، بواسطة قوانين التأهيل و مراسيم التدبير التي تقرها بين الدورات البرلمانية يمكنها التدخل مباشرة في اختصاص البرلمان و تمرير جملة من القضايا.
إضافة إلى أن الحكومة يمكنها توسيع سلطتها التنظيمية بواسطة مشاريع القوانين – الإطار – و هو حق يخوله لها الدستور ، كما أنه يمكنها أن تلجأ إلى مسطرة الاستعجال قصد التقليص من مدة نقاش القوانين من طرف البرلمان و أن تنحي بواسطة التصويت دفعة واحدة التعديلات التي لا ترغب فيها و لا تروقها ، وذلك باللجوء إلى اللعب على ورقة : إما الكل أو لاشيء. و كل هذا بمقتضى الدستور ، وهو أسلوب يمكن الحكومة إما من القضاء على النصوص التي لا تروقها و إما من التعجيل بالبث في تلك التي تروقها.
و علاوة على هذا و ذاك ، و حتى في حالة اتفاق الغرفتين يمكن للملك سحب أي نص نهائيا من البرلمان ، و بمثل هذه الإجراءات من شأنها إفراغ اللعبة البرلمانية من روحها الحقيقية و الجوهرية ، بحيث ليس من الممكن إقرار قوانين و نصوص لا تروق الحكم ، كما أنه لا يمكن بالمقابل رفض نصوص يرغب فيها. ومهما يكن من أمر فإن الملك – بمقتضى الدستور- له الحق في تقديم مشروع تعديل دستوري يحد من سلطات البرلمان للاستفتاء ، كما تظل إمكانية حل البرلمان دائمة الحضور بمقتضى الدستور ، إذ للملك الحق في حل البرلمان أو إحدى غرفتيه. و بذلك أن ما يريده الحكم هو ما يكون ، لأنه مسموح له دستوريا بإقرار القيود القانونية التي تقيد ممارسة حريات المواطنين الأساسية.
و فيما يخص ممارسة وظيفة المراقبة ، فإن الدستور يمنع تشكيل لجان التحقيق الدائمة و لا يسمح بخلق لجان تحقيق إلا بطلب أغلبية أعضاء إحدى الغرفتين. و إذا أضفنا مقتضيات الاحترام الواجب للمؤسسة الملكية ، فإنه يبدو بجلاء أن الدستور المغربي سهب في وضع قيود قاسية لممارسة المراقبة البرلمانية ، ما دام أنه ليس من السهل ضمان أغلبية لتشكيل لجان التحقيق و مادام أن الدستور لا يسمح بانتقاد المؤسسة الملكية.
و هكذا تبقى الحكومة تحت الإمرة ، فرئيس الحكومة يعينه الملك و يقيله متى شاء ، و هو واقع على الدوام تحت وصاية الملك و لا يمنكه الإفلات منها. إضافة إلى أنه ليست لرئيس الحكومة أية سلطة على باقي الوزراء الذين هم مسؤولين أمام الملك و مطالبين بتطبيق التوجيهات الملكية بصفة الملك رئيسا لمجلس الوزراء .