تاريخ التطبيع بين النظام المغربي و الإسرائيلي.
بقلم: فريد بوكاس ، صحفي باحث وناشط سياسي .
إن النظام المغربي حالة فريدة في التطبيع من خلال أدواره التاريخية في خدمة مصالح إسرائيل . فمنذ بداية الستينات ، كان يعمل على تهجير المغاربة اليهود إلى إسرائيل مقابل رسوم مالية بالدولار. ويشكل حجم الجالية اليهودية الكبير ، وسيلة تواصل دائم بين الجانبين ، حيث يوجد حوالي مليون يهودي مغربي بإسرائيل ، و300 ألف يهودي مقيم بالمغرب ، وهو أكبر عدد لطائفة يهودية في دولة شمال إفريقيا و الشرق الأوسط . كما يوجد في المغرب عدة جمعيات يهودية تعمل في مجال التطبيع مع إسرائيل وهي على التوالي:
• جمعية “هوية وحوار” (تأسست سنة 1974).
• جمعية “التجمع العالمي لليهودية المغربية” (تأسس سنة 1985).
• جمعية “المركز العالمي للأبحاث حول اليهود المغاربة” (تأسس سنة 1995).
• الاتحاد العالمي لليهود المغاربة ( تأسس في 3 ماي 1999 ).
بعد ثلاثة أيام من انفجارات الدار بالبيضاء في 16 ماي 2003 ، بعث سام بنشتريت ، رئيس الإتحاد الاتحاد العالمي لليهود المغاربة ، رسالة عاجلة باسم أرييل شارون إلى رؤساء الجمعيات والوفود اليهودية في المغرب جاء في نصها:
“لا تتأخروا في ظل التهديد الذي يحلق فوق رؤوسكم. احزموا حقائبكم للعودة إلى إسرائيل ، وسوف تقدم لكم مؤسسات دولتنا كل الدعم وتجدون إلى جانبكم 700 ألف من اليهود المغاربة الذين جاؤوا قبلكم إلى إسرائيل”.
وكان موقف الطائفة اليهودية بالمغرب على لسان رئيسها سيرج بير ديغو هو رفض الدعوة لأن”المغرب أكثر أمنا من إسرائيل ، وأن الهجمات أحداث عابرة وعرضية ولا تعكس التعايش بين المسلمين واليهود الذي ميز المغرب منذ قرون”.
كانت للمخابرات المغربية – ولازالت – علاقات التنسيق والعمل مع جهاز المخابرات الإسرائيلية الموساد الذي كان يقوم بتنظيم وتدريب بعض العملاء المغاربة ، وساعد في عملية اختطاف واغتيال المهدي بنبركة ، وعمل على إمداد المخابرات المغربية بمعلومات وتقارير عن جمال عبد الناصر. وبالمقابل ، قام الحسن الثاني بالتصنت على المناقشات التي دارت بين الزعماء السياسيين والقادة العسكريين العرب أثناء مؤتمر قمة عربية عقدت بالرباط سنة 1965 لبحث خطط القيادة العربية الموحدة في مواجهة إسرائيل ، ومنح للموساد شريط التنصت . وكان لهذا التصنت نتائج معلوماتية هامة ساهمت في هزيمة يونيو 1967.
كما قام النظام المغربي بدور في عقد قمة كامب ديفيد ، لما استضاف الاجتماع الأول بين موشي ديان وحسن التهامي مبعوث الرئيس السادات ، تمهيدا للقمة التي ستفتح الطريق أمام اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982. وفي هذا الاستقبال الذي تم بمدينة إيفران بالمغرب سنة 1977 ، قال الحسن الثاني لوزير الخارجية الاسرائيلي آنذاك:”إذا حصل وافتضح أمر استقبالي لك ، فهون عليك ، إنني لن أفقد العرش لهذا السبب”.
واعترافا بهذا الجميل ، حضر وفد إسرائيلي مكثف مراسيم تشييع جنازة الحسن الثاني ممثلا بأكثر من 200 شخصية رسمية و 1800 مرافق. وحسب السفير الأمريكي بالرباط ، فإن المحادثات التي عقدت بين الوفد الإسرائيلي وعدد من الوفود الأجنبية تؤكد بأن المغرب سيواصل دورا فعالا وإيجابيا في مسلسل التسوية.
بعد موت الحسن الثاني ، وتحت ضغط الاحتجاج الكبير الذي شهده الشارع العربي والمغربي إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية ، عمد الملك محمد السادس إلى إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالمغرب والمكتب المغربي في تل أبيب يوم 23 أكتوبر 2000 ، بعد العريضة الشهيرة التي وقعتها الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات على إثر مسيرة المليونين في 8 أكتوبر 2000 بشعار “كلنا فلسطينيون”، طالبت من خلالها بإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي.
واستقبل آنذاك محمد السادس وزير الخارجية كولن باول وهو يحمل شارة التضامن التي كتب عليها “كلنا فلسطينيون”، وهي شارة الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني ، كما سمح بتنظيم أكبر مسيرة في شمال إفريقيا و الشرق الأوسط لمساندة الشعب الفلسطيني يوم 27 أبريل 2001.
و إذا كانت كل هذه الإشارات مجرد محاولة لاحتواء الغضب الشعبي ، ولا تشكل تبدلا نوعيا في موقف النظام المغربي من الأدوار الموكلة إليه من طرف الإمبريالية والصهيونية ، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تكن راضية. وعبرت عن ذلك من خلال تقليص حجم مساعدتها الاقتصادية للمغرب الذي لم يحصل تلك السنة سوى على 6.7 مليون دولار مقابل 9 ملايين دولار للأردن و حوالي مليار دولار لمصر, وهي مساعدات تقدم لعدد من الدول حسب دورها الإقليمي في خدمة سياسة واشنطن الخارجية.
أكد مسؤول ماسوني عن “المجلس الأعلى للجالية المغربية بالخارج ” أن حوالي 600 ألف يهودي مستعمر في فلسطين يحملون الجنسية المزدوجة المغربية و”الإسرائيلية” ، كما أكد أن هؤلاء يزورون المغرب باستمرار كل سنة سواء للسياحة أو زيارة أوليائهم. وأضاف أن بعض هؤلاء يطالب المجلس الأعلى بالإستفادة من حق المشاركة في الإنتخابات المغربية باعتبارهم جالية مغربية ، وجدد المستعمرون اليهود المغاربة المقيمين في فلسطين المحتلة شكرهم للنظام المغربي على التسهلات التي يقدمها للراغبين من أبنائهم في الحصول على جواز سفر مغربي.
يذكر أن جهاز مخابرات العدو الإسرائيلي الداخلي المعروف بإسم ” الشاباك” يتكون في معظمه من اليهود المغاربة الذين يسومون الفلسطينيين سوء العذاب ، كما أن غالبيتهم منخرطة في العصابات العسكرية الإسرائيلية ، ومن المعروف أن اليهود المستعمرين الذين يحملون الجنسية ” الإسرائيلية” يدخلون المغرب بدون تأشيرة في الوقت الذي يمنع دخول الفلسطينيين للمغرب.
الجذير بالذكر أن للكيان الإسرائيلي علاقات مستقرة وعميقة مع النظام المغربي منذ الخمسينيات من القرن الماضي ، ولعب جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي والمعروف بإسم ” الموساد” دورا رئيسيا في تأسيس وتكوين المخابرات المغربية التي تقوم على حماية الملك ، ولقد سمح الحسن الثاني للموساد بإقامة مركزا كبيرا له في المغرب ، وتعرف مدينة الصويرة على سواحل الأطلسي كأحد المحطات الأساسية للموساد في المغرب بالإضافة لمدينتي آكادير ومراكش.
ولعب الموساد دورا رئيسيا في مساعدة الحسن الثاني في تتبع وقتل المهدي بن بركة ، وكان للموساد دور محوري في تزويد المغرب بالسلاح أثناء فترة الحرب الجزائرية المغربية لإطالة نزيف الدماء بين المغاربة والجزائريين ، ويقوم الموساد الآن بدور أساسي في الحرب على الجماعات الإسلامية في المغرب بالتعاون مع مخابرات النظام المغربي.
وقد أطلقت إسرائيل إسم المقبور الحسن الثاني على أكثر من 70 شارعا وميدانا ومتنزها في فلسطين عرفانا لإسرائيل بالدور المحوري الذي قام به النظام المغربي في مساعدتها ، كما وتم إطلاق أول طابع بريدي تذكاري لعام 2000 يحمل إسم الحسن الثاني.
وتبرير النظام المغربي لمنحه الجنسية لليهود القتلة والمستعمرين لفلسطين هو أنهم من أصول مغربية ، والحقيقة أنهم ليسوا كذلك فهم من أصول أوروبية وجاؤوا هربا منها بعد سقوط الأندلس وحتى اليهود الموجودون في المغرب فلا يتكلمون حتى العربية بل لغتهم الأولى هي الفرنسية والعبرية ، أما اليهود المغاربة الأصليون ، فهم متشبثون بمغربيتهم .
ويطرح المواطن المغربي البسيط سؤالا على النظام المغربي:
فإن كان التطبيع بين المغرب و إسرائيل مرة في العلن و مرة أخرى في السر ، فلماذا يتم اتهام المغاربة الذين يخرجون في مظاهرات من أجل تحسين وضعهم المعيشي بالتعامل مع إسرائيل ؟ ألم يتهم النظام المغربي و أحزابه نشطاء حراك الريف بتواطئهم مع إسرائيل ؟ أليست إسرائيل هي من تحمي النظام المغربي من الانهيار ؟