لماذا الرئيس الفرنسي ماكرون في المغرب وماذا يعني ذلك بالنسبة للجزائر؟
لماذا الرئيس الفرنسي ماكرون في المغرب وماذا يعني ذلك بالنسبة للجزائر؟
وكالة المغرب الكبير للأنباء:
وتأتي هذه الزيارة الرسمية الأولى التي يقوم بها رئيس فرنسي إلى المغرب منذ عام 2013، بعد ثلاث سنوات من القطيعة الدبلوماسية والسياسية بين باريس والرباط.
وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الاثنين، إلى المغرب في زيارة تستغرق ثلاثة أيام تهدف إلى تعزيز العلاقات بين البلدين.
وهي زيارة دولة بدعوة من الملك محمد السادس ملك المغرب. ويأتي ذلك بعد اعتراف فرنسا بمبادرة الحكم الذاتي للصحراء الغربية، التي تعترف بها باريس كجزء لا يتجزأ من الأراضي المغربية.
يمنح هذا الحكم الذاتي الصحراء الغربية استقلالها الذاتي، حيث يدير الصحراويون حكومتهم الخاصة تحت سيادة المغرب.
للوهلة الأولى، تبدو الزيارة احتفالية بحتة، لكن لها أهمية أوسع للمنطقة، إذ تمثل أول زيارة لماكرون إلى المغرب منذ 2018.
ويأتي ذلك بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من التوترات وبرودة العلاقات الدبلوماسية بين باريس والرباط.
علاقات فاترة
وتذبذبت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في السنوات الأخيرة، خاصة في ظل ما يسمى بقضية بيجاسوس، وهي فضيحة برامج تجسس اندلعت عقب تحقيقات إعلامية خلال صيف 2021.
وكشف الصحفيون تفاصيل استخدام برنامج التجسس واتهموا المغرب بالتجسس على مسؤولين فرنسيين، من بينهم الرئيس ماكرون، وهو ما نفاه المغرب.
وفي سبتمبر 2021، شددت فرنسا قيودها على تأشيرة الدخول للمواطنين المغاربة.
زارت وزيرة الخارجية السابقة كاثرين كولونا المغرب في يناير 2022 لتذليل الصعوبات.
لكن الخلافات عادت إلى الظهور العام الماضي عندما اتهم المغرب فرنسا بالوقوف وراء التقارير الأوروبية التي تنتقد حرية الصحافة في المغرب.
علاوة على ذلك، أعربت الرباط عن إحباطها إزاء تحسن علاقات فرنسا مع الجزائر وطلبت من باريس توضيح موقفها بشأن الصحراء الغربية.
وتصنف الأمم المتحدة الصحراء الغربية، وهي مستعمرة إسبانية سابقة، على أنها “منطقة غير تتمتع بالحكم الذاتي”.
لكن المغرب يعتبرها جزءا لا يتجزأ من أراضيه، ويسيطر على حوالي 80٪ من الأراضي ويقدم حكما ذاتيا محدودا تحت السيادة المغربية.
وتريد جبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، تنظيم استفتاء لتقرير مستقبل المنطقة.
الصحراء الغربية جزء أساسي من السياسة الخارجية للمغرب
وهو موضوع حساس، حيث تصنف الرباط شركاءها وخصومها، وفي نهاية المطاف، سياستها الخارجية وفقا لموقفهم من الصحراء.
واعترفت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء أواخر عام 2020، مقابل التطبيع الدبلوماسي بين المغرب وإسرائيل.
على مدى عقود، حاولت فرنسا البقاء على الحياد في صراع الصحراء الغربية، ساعية إلى الحفاظ على سياسة التوازن في علاقاتها مع الجزائر والمغرب.
ومع ذلك، في 30 يوليو/تموز، أيد الرئيس ماكرون مبادرة الحكم الذاتي المغربية، ووصفها بأنها “الحل الوحيد” للصراع.
وظهرت بوادر التقارب مع تعيين سفير مغربي جديد بباريس وتسريع الزيارات الوزارية المتبادلة تمهيدا لزيارة ماكرون.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت فرنسا قد دفعت ثمن اعترافها بالحكم الذاتي في الصحراء وكيف يمكن أن يخل ذلك بالتوازن بين فرنسا والجزائر.
فهل يغير هذا من قوة الجزائر في المنطقة؟
تحسنت العلاقات الجزائرية الفرنسية بين عامي 2010 و2020. لكن العلاقات أصبحت أكثر صعوبة على الفور في نهاية يوليو/تموز بعد إعلان ماكرون دعمه لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء.
ويقول حسني عبيدي، الباحث الجزائري وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف، إن علامات التوتر بين فرنسا والجزائر ظهرت حتى قبل رحلة ماكرون.
واستدعت الجزائر سفيرها في فرنسا وتراجعت التجارة بين البلدين.
كما توقفت المحادثات بشأن “ملف الذاكرة” (القضايا التي لم يتم حلها من فترة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، بما في ذلك الاعتراف بالانتهاكات التاريخية وإعادة الأرشيف).
وعلى الرغم من هذه التوترات، يؤكد السيد العبيدي أن فرنسا والجزائر ليستا على وشك التمزق.
ولا تزال هناك مصالح مشتركة كبيرة بين البلدين، بما في ذلك وجود أكثر من مليون جزائري في فرنسا، وعلاقات تجارية مهمة، واعتماد فرنسا على إمدادات الغاز الجزائري. وارتفعت أسعار الطاقة في أوروبا في أعقاب الصراع بين روسيا وأوكرانيا.
ويشير العبيدي إلى أن زيارة ماكرون يمكن اعتبارها بادرة دعم للمغرب، خاصة وأن نصف الوزراء الفرنسيين زاروا الجزائر العام الماضي. ومن الممكن أن يسعى ماكرون إلى استعادة التوازن.
هل المصالحة لها ثمن؟
إن زيارة ماكرون للمغرب تتجاوز مجرد تحسين العلاقات الثنائية؛ كما أن لها أهمية استراتيجية أوسع على الساحة العالمية، نظرا للتحديات السياسية والأمنية في الشرق الأوسط ومنطقة الساحل الأفريقي.
وتعطي هذه الخلفية أهمية لزيارة فرنسا، التي تحتاج إلى تعزيز نفوذها في أفريقيا في سياق ضعف القوة الإقليمية.
وفي السنوات الأخيرة، تحولت دول مثل مالي إلى شركاء أمنيين جدد، مثل روسيا، مما أدى إلى الحد من نفوذ فرنسا التاريخي.
ويرى خالد شيات، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة وجدة، أن المغرب، نظرا لموقعه الجغرافي وعلاقاته الوثيقة مع إفريقيا، يمكن أن يلعب دورا رئيسيا في مساعدة فرنسا على إعادة تحديد مصالحها في القارة.
ووفقا له، فإن “المغرب كان دائما شريكا موثوقا به لفرنسا، ومتوافقا باستمرار مع الأطر الليبرالية الغربية، ولا سيما فيما يتعلق بالولايات المتحدة وفرنسا”.
ووفقا للسيد شيات، فإن المغرب ليس مجرد بوابة أساسية لمنطقة الساحل، ولكنه أيضا مستثمر أجنبي رائد في العديد من البلدان الأفريقية، بعد جنوب أفريقيا.
ويوضح السيد شيات أن “فرنسا تدرك الآن القيمة الاستراتيجية للمغرب بعد استثماراتها الأخيرة في الجزائر”، وتعكس زيارة السيد ماكرون تغييرا، مما يؤكد من جديد دعم فرنسا لموقف المغرب بشأن الصحراء الغربية. »
ويؤكد الباحث الجزائري حسني عبيدي أن “فرنسا تعتمد على المغرب في العديد من القضايا، على عكس الجزائر التي لا ترى مصلحة في الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل”. وعلى المستوى الاقتصادي، يضيف السيد العبيدي، تجد فرنسا أن التجارة مع المغرب أكثر مرونة وأكثر مباشرة من التجارة مع الجزائر.
المال والاستثمار
واحتفظت فرنسا بمكانتها باعتبارها الشريك الاقتصادي الأول للمغرب. وتعمل حوالي 1300 شركة فرنسية في المغرب، باستثمارات تبلغ 8.1 مليار يورو (6.8 مليار جنيه إسترليني) في عام 2022.
علاوة على ذلك، فإن تحسين العلاقات بين البلدين يمكن أن يزيد من اهتمام الشركات الفرنسية بالاستثمار في الصحراء الغربية، لا سيما في قطاعات الطاقة وتحلية المياه والبنية التحتية.
وتتمتع شركة النقل الفرنسية المتعددة الجنسيات ألستوم أيضًا بفرصة قوية للفوز بعقد لتزويد قطارات جديدة لخط السكك الحديدية عالي السرعة المستقبلي الذي يربط بين مراكش والقنيطرة في شمال غرب المغرب.
وسيستضيف المغرب أيضًا بطولة كأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، وهي فرصة استثمارية كبيرة أخرى لفرنسا، التي ستكون قادرة على تقديم خبراتها في البنية التحتية.
الهجرة إلى أوروبا
وتلعب الهجرة دورا محوريا في العلاقات المغربية الفرنسية، حيث تعتبر الرباط شريكا استراتيجيا في مواجهة الضغوط الأوروبية للحد من الهجرة غير الشرعية.
ويعتقد المحللون أن أحد الدوافع الرئيسية وراء موقف فرنسا وإسبانيا بشأن الصحراء هو الخوف من استخدام الهجرة كوسيلة ضغط في المستقبل. وقال محلل طلب عدم ذكر اسمه: “الأوروبيون قلقون للغاية بشأن الهجرة غير الشرعية ويراهنون على المغرب، باعتباره أقرب دولة إلى أوروبا، للتعامل معها”.
ويشير محللون آخرون إلى أن اعتقال المغرب لحوالي 87 ألف مهاجر في عام 2023 يظهر التزامه بالتعاون مع أوروبا في المجال الأمني. أحبطت السلطات المغربية أزيد من 45 ألف محاولة للهجرة غير الشرعية منذ بداية السنة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الصعود والهبوط في السنوات الأخيرة، فإن العلاقات التاريخية والثقافية بين فرنسا والمغرب لا تزال قوية. اللغة الفرنسية هي اللغة غير الرسمية الأولى في المغرب، وظلت السياسة الفرنسية تجاه المغرب ثابتة عبر مختلف الإدارات السياسية، مما يعكس أساسًا مستقرًا للعلاقة.