جلادون عاشوا في جلباب حقوقي.
فريد بوكاس/صحفي باحث وناشط سياسي
سأحاول من خلال هاته المقالة تسليط ولو بصيص من الضوء على أشخاص ظُن في الزمن القريب أنهم نبراس الحرية والدفاع عن حق الشعب المغربي من خلال مواقفهم الشجاعة بين قوسين تُجاه مايقوم به النظام الحاكم وأجهزته القمعية المسخرة للتنكيل بمواطني هذا البلد الحبيب.. لا ننكر أن المغرب شهد حقبة سوداء سميت بسنوات الرصاص أو العهد الحسني الأسود إلى ما غير ذلك من الأسماء التي توحي إلى بشاعة ومرارة تلك الفترة التي استصرخ فيها خيرة شباب هذا الوطن ولا حياة لمن يُنادون..!! وقد سبق لي أن قلت أن هؤلاء الأشخاص ظُن أنهم المحامي الأول يُدافعون عن كرامة الشعب، وأنهم كذلك بمثابة الدركي الذي يُراقب التجاوزات والإنتهاكات التي تقوم بها أجهزتنا الأمنية في حق المغاربة وتعددت أسباب نظالاتهم في الكيفية والسبب، إلا أن وجهتهم واحدة وكل طرقاتهم لاتؤدي إلى روما وإنما إلى منصب المسئولية وصنع القرار.. هنا تضيع كل المبادئ والخطابات الطنانة، ويتحول مائة وثمانون درجة حقوقي تلك الحقبة إلى جلاد هاته الفترة.
عدة أسماء إرتبطت بالشأن الحقوقي المغربي ثم إلى منصب المسؤولية، سواء هؤلاء سطع نجمهم في العهد الحسني كعبد الرحمان اليوسفي وفتح الله ولعلو زد على ذلك المحامون محمد زيان وإدريس لشكر، أو من عهدِنا القريب كالمرحوم إدريس بنزكري وأحمد حرزني وإدريس اليازمي محمد الصبار ومصطفى الرميد وكثير ما هم.. لكن أكتفي بهاته الأسماء نظرا لكثرة من باعوا ضمائرهم في هذا الشق ولو خُضنا في سرد أسمائهم وحصرهم لنفِذ المِداد ولو جئنا بدماء من قتلوا في المعتقلات السرية والمخافر مددا..؟
رجال العهد الجديد
عند إعتلاء محمد السادس عرش المغرب في يوليوز 1999 كانت أمامه عدة رهانات وتحديات جد صعبة خصوصا وأن الأقدار رمته إلى سدة العرش في ظروف جد حساسة والمغرب يتمخض سياسيا وحقوقيا.. من الجانب الحقوقي وهذا موضوع مقالتي كان المغرب لازال لم يدمل جراحه من عار تازمامارت الذي أساء إلى صورة البلد في الخارج.. فكان على الملك الشاب آنذاك أن يخلُص إلى طريقة أو خطة إن صح التعبير تقربه إلى شعبه وتمحي عار الإرث الحسني الأسود..؟ عبر مستشاريه ذوي الإختصاص كانت صفقات مشبوهة بين المخزن وحقوقيين مخضرميين عاشوا سنوات الرصاص ليُواكبوا تقمص أدوار بطولية في مسرحية مخزنية دُبرت بليل..، كان أول دور بطولي لمسرحية “الحقوقي الجلاد” أسند إلى المرحوم إدريس بنزكري حيث دعاه الملك لقيادة هيئة حكومية “هيئة الإنصاف والمصالحة” التي كان يُفترض أن تسوي ملفات حقوق الإنسان خلال “سنوات القمع” (1960-1999) والتي انتهت مهمتها في نوفمبر 2005 ولا شيئ يُذكر، حقق خلالها بين قوسين في 16 ألف ملف لضحايا النظام السابق.. وأي إنصاف ومصالحة حينما يُنصف الجلاد ويموت الضحية بألم القهر والحسرة على سنوات قضاها في دهاليز السجون والمخافر ذنبه الوحيد أنه مواطن مغربي؟