إذا أردنا أن نبحث عن بعض القنابل الموقوتة التي يمكنها أن تُسقط “نظرية” الاستثناء، وأن تُفجر الوضع، وأن تعصف بالبلاد فلن نجد كبير عناء في ذلك، تكفينا معدلات البطالة التي هي في ارتفاع، والأمية التي هي في اتساع، والهوة السحيقة بين الفقراء والأغنياء التي هي في تنامٍ مستمر، يكفينا الفساد الإداري من رشوة ومحسوبية وزبونية، والفساد المالي من اختلاسات ونهب وسلب طال ولا يزال أموال الشعب على مرأى ومسمع منه، فيما جل هذا الشعب يعيش تحت خط الفقر والبؤس والحاجة، بل وتشجيعا لهذا النهب والسلب أصبحت أسماء اللصوص والسُرَّاق تُدَوَّن في تقرير سنوي، لكن دون أن يطالها الحساب والعقاب والجزاء، يكفينا الوضع الاجتماعي المأزوم الذي حول جزءا من المغاربة إلى قرابين للحيتان الجائعة في عرض البحر، ولحوم رخيصة تباع وتشترى للظفر بلقمة العيش عن طريق الدعارة التي أزكمت رائحتها الأنوف.
يكفينا الموت البطيء الذي يفتك بشبابنا العزيز عن طريق الاستهلاك الهائل للمخدرات التي أصبح يبدع فيها أشكالا وأنواعا، يكفينا غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار الذي هَدَّ القدرة الشرائية للمواطن، تكفينا السرقة والجريمة وانعدام الأمن في واضحة النهار، يكفينا استغلال النفوذ من قبل الوزراء والمسئولين الكبار والموظفين السامين، تكفينا الانتخابات الصورية التي لا تفرز سوى مؤسسات صورية لا صلاحية لها ولا تملك اتخاذ أي قرار، يكفينا أن السلطة الحقيقية والمحرك الفعلي للمشهد السياسي يقع خارج اللعبة السياسية والمنافسة الانتخابية ولا يخضع للمساءلة والمحاسبة، يكفينا تغييب سلطة الشعب، يكفينا تغييب فصل السلط، يكفينا تغييب حرية الرأي والتعبير، تكفينا الأحزاب السياسية التي حَوَّلها المخزن إلى دكاكين انتخابية لا يهمها سوى الربح والخسارة وعدد المقاعد (دون أن يعني ذلك أنها خالية من شرفاء كانوا وما زالوا على مبادئهم) تكفينا المركزيات النقابية التي تركت “شِغِّيلَتَها” تعاني الحرمان والإجهاز على الحقوق والمكتسبات، فيما انهمكت هي في قضاء مصالحها ومصالح أقاربها في العائلة والنقابة والحزب، يكفينا التعليم المنهك، تكفينا الصحة المعتلة، يكفينا القضاء الفاسد…
ألا يكفينا كل هذا يا مبشرينا بالاستثناء حتى لا يكون المغرب استثناء؟