لماذا كانت الانتخابات الرئاسية التونسية والجزائرية متشابهة إلى هذا الحد؟
لماذا كانت الانتخابات الرئاسية التونسية والجزائرية متشابهة إلى هذا الحد؟
وكالة المغرب الكبير للأنباء
كانت هناك أوجه تشابه عديدة بين الانتخابات الرئاسية الجزائرية التي جرت في السابع من سبتمبر/أيلول والانتخابات التي جرت في تونس بعد شهر. ولم تنته أوجه التشابه عند النتائج التي أظهرت فوز الرئيسين بنسب تعيد البلدين إلى عصر الحزب الواحد وإلى نوع من الاستطلاعات التي تشبه الاستفتاءات أكثر من كونها انتخابات. وقد شهد البلدان مثل هذا من قبل.
في واقع الأمر، يمكن وصف كل من الأمرين بأنه “احتيال استباقي” حيث كان نظاما الجزائر وتونس يسيطران على قائمة المرشحين الذين يتنافسون ضد الرئيس المرشح لولاية ثانية. وكانت النتائج محسومة سلفاً، مع “انتصارات” ساحقة متوقعة. ولم تكن هناك منافسة جادة في الجزائر أو تونس.
لقد أدى تزوير العملية الانتخابية إلى إغلاق الأنظمة ووسائل الإعلام للحياة السياسية الوطنية، والاعتماد على القضاء المتعاون. فقد سجن القضاء في الجزائر الناشطة عبلة القومري من تقرت، بينما هاجم نظيرته في تونس المعارضة بكل أشكالها، وهو ما بدا واضحا في قضية الشيخ راشد الغنوشي، الذي لم يسلم من حرمانه من حريته بسبب سنه ومكانته الوطنية والدولية. وتم استهداف العديد من الشخصيات الإعلامية، ذكورا وإناثا، وكذلك الأحزاب السياسية المعترف بها قانونيا. وهذا واضح في كلا البلدين.
ولهذا السبب تقاطع العديد من القوى السياسية هذا النوع من “الانتخابات”، سواء في الجزائر أو تونس، لأن التخطيط للترشح هو أسرع طريق للسجن أو المنع أو الغرامة أو ما هو أسوأ.
ينبغي أن يبقى الطريق خاليا أمام الرئيس الحالي.
المشكلة الوحيدة هي نسبة المشاركة في الانتخابات. فقد فقد الناس الأمل في أحوالهم الاقتصادية والاجتماعية بسبب الافتقار إلى الحرية والآفاق، فلماذا إذن يصوتون؟ ولا عجب إذن أن يحصل المرشحون المفضلون على نسبة عالية بشكل مثير للسخرية من الأصوات. لقد تم تزوير الانتخابات.
إن العديد من الناس يريدون الهجرة، فهي الحل الوحيد الذي يرون فيه المساواة بين الكبار والصغار، والأغنياء والفقراء، والنساء والرجال. وفي مقدمة هؤلاء الراغبين في الهجرة أصحاب المؤهلات والدرجات العلمية العالية، وإذا تمكنوا من الخروج فإن خسارتهم للوطن تزيد من إفقار البلدين وتمنعهما من الوصول إلى المستوى الذي استثمرا فيه سنوات طويلة. وفي نهاية المطاف فإن المجتمعات الغربية الغنية هي التي تستفيد من هؤلاء.
لقد كان المقاطعة الشعبية للانتخابات ـ إن صح التعبير ـ محسوسة في الجزائر وتونس. فقد أنتجتا رئيسين لا يتمتعان بقاعدة شعبية حقيقية يمكن الاعتماد عليها في أوقات مضطربة إقليمياً ودولياً. ويتجلى هذا بوضوح في الوضع في دول الساحل المجاورة، التي تتجلى مشاكلها في عدد المهاجرين غير الشرعيين والأسلحة والمخدرات التي يتم تهريبها عبر الجزائر وتونس في طريقها إلى البحر الأبيض المتوسط، ثم إلى أوروبا، على أمل أن تصل إلى هناك.
وعلاوة على ذلك، لم يعد لأي من النظامين في الجزائر وتونس دور في المنطقة. فلم نعد نسمع عن دبلوماسيين تونسيين أو جزائريين يلعبون دوراً في ليبيا المجاورة، على سبيل المثال، على الرغم من التأثير الذي يخلفه الوضع هناك على سلامة وأمن بلديهما.
لقد أصبح من المعتاد توجيه الدعوات إلى الجزائر وتونس من دول شمال المتوسط التي تسيطر على الأزمة في ليبيا لحضور الندوات كضيوف، وكأن ليس لها مصلحة مباشرة في الأمر. ويتكرر نفس السيناريو عندما يتعلق الأمر بقضايا مشتركة تهم البلدين، مثل الهجرة غير النظامية، حيث تريد أوروبا من دول شمال أفريقيا أن تكون بمثابة الدرك الذي يحرس حدودها الجنوبية.
وباستغلال المنافسة وانعدام التنسيق بين البلدين ـ وهو ما يمكن تعميمه ليشمل المغرب أيضا ـ تعمل الدول الأوروبية القوية بالتنسيق فيما بينها وتصدر القوانين لحماية مصالحها الاستراتيجية، عادة على حساب الدول الواقعة على الشواطئ الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. حتى أننا رأينا شوكولاتة “المردجين” الجزائرية تُحظر من السوق الأوروبية بفضل قرار اتخذ في فرنسا.
يأتي هذا في وقت تتطلب فيه المصالح المشتركة للبلدين التنسيق والتعاون للوصول إلى مواقف مشتركة من أجل الحفاظ على مصالح البلدين في مواجهة التحول نحو اليمين المتطرف في مختلف أنحاء أوروبا، التي تظل شريكهما الاقتصادي الرئيسي. هذا بالإضافة إلى وجود جاليات جزائرية وتونسية كبيرة مهاجرة في أوروبا. وكان ينبغي لدبلوماسييهما أن يعملوا على تحقيق قدر أكبر من التنسيق، على أقل تقدير، وتطوير استراتيجيات مشتركة. وهذا ما تقوم به بالفعل وزارتا الداخلية في كل منهما فيما يتصل بالقضايا الأمنية ذات التأثير المباشر على مواطنيهما. وهذا يتم بغض النظر عمن يشغل مقعدي السلطة في الجزائر وتونس.
في الواقع، يتعرض المعارضون للاضطهاد والعار عندما يكونون في دولة مجاورة لهم كما لو كانوا في بلدهم.
والخلاصة في كل من الجزائر وتونس هي أن الانتخابات نُظِّمَت في وقت كانت فيه الساحة السياسية في كلا البلدين راكدة. فقد تم قمع المطالب الشعبية بالتغيير في السنوات الأخيرة، وكأن كل أمل قد سُحِب من الناس على جانبي الحدود. ومع ذلك، لا يزال الناس يائسين، بما في ذلك النخب السياسية والفكرية التي استسلمت لموجات الردة السياسية الساحقة التي كانت هذه الانتخابات الرئاسية الأخيرة أحد أعراضها. ومع ذلك، لا أشك في أن الناس سوف يحشدون أنفسهم ويحيون روحهم كما فعلوا في مناسبات عديدة في الماضي من أجل السعي إلى الحرية والعدالة، وتعزيز فرصهم في حياة كريمة دون الحاجة إلى الهجرة.