المغرب والكعكة الفقودة.
منذ اندلاع حراك الريف شمال المغرب و حراك الرغيف الأسود بجرادة شرق البلاد ، والدولة تتخبط في سياستها الداخلية والخارجية، باحثة عن مخرج بأقل الخسائر، لكن وللأسف لازال النظام الموروث نظام بولوسي لا يعترف بلغة الحوار ، وبذلك استخدم كل قواه لدهس الحراك تحت عجلات السيارات البوليسية بتعليمات من الرئيس الأعلى للقوات المسلحة. ولم يشفي غليله كل ذلك ، فقام بحملة اعتقالات في مختلف المدن والقرى شملت الشباب والأطفال الذين هم العمود الفقري للدولة، فحوكم من حوكم ومن تبقى منهم لم يجد خيارا سوى قوارب الموت ليتجه نحو الفردوس المفقود تاركا خلفه جثثا بالمئات لتقتات عليها أسماك القرش في البحر الأبيض المتوسط الذي أصبح أسودا بدماء خيرة شبابنا.
ففي المغرب السلطة كما هي الثروة تقتسم كالكعكة، الجزء الأكبر يأخذه من في أعلى الهرم وعائلته والباقي تقتسمه القاعدة ، كل حسب فهمه لقواعد اللعبة. وحتى لا يظهر الأمر سيئا، ذهبنا إلى دكان الديمقراطية، وأحضرنا قليلا من الحاجة: هل تريدون دستورا ؟ هاهو! برلمان؟ طبعا، وبه مجلس الشيوخ ! أحزاب؟ بالجملة ! الصحافة المستقلة ؟ الحكومة المحكومة تنفق عليها ! حرية التعبير؟ نقدم لكم أشخاص يمكن السخرية منهم كما يحلو لكم. جهوية ؟ منتخبون بلا حساب!
في أجمل بلد في العالم الذي هو المغرب ، تعطى لك حرية كافية لتخرج ما بداخلك حسب موقعك. في البرلمان يمكنك الصراخ يوم الأربعاء ، في المعمل يمكنك الصراخ في فاتح ماي. وحتى الصعاليك تعطى لهم فرصة أيام المظاهرات السلمية أو المباريات الكروية المهمة لحرق المصالح العامة ونهب الممتلكات الخاصة وهم يهتفون بالشعارات الوطنية.
ولأن المنافسة هي فقط حول الجزء الأصغر من الكعكة ، تقوم صراعات شديدة بين كل الأطراف ويقدمون أغلى التضحيات للظفر بنصيب . كل فرد يقول أنا وبعدي الطوفان، وكل جماعة تقول نحن أولا . كل يأخذ حسب مجهوده واستعداده لتجاهل غيره.
في المغرب تعطى الوزارات لأحزاب الأقلية لأن صاحب الجلالة هو العالم بشؤون الأمة ، وتوزع الوظائف حسب مصالح خدام الدولة ، وتهدر الملايير في نفقات هدفها فقط إرضاء الغاضبين وشراء قبولهم بقواعد اللعبة. طبعا هناك من لم يقبل بهذه اللعبة، لكنهم أقلية يمكن بسهولة تصنيفهم وترهيبهم ، ولا أحد يمانع ، فنحن في بلد الاعتدال لا نقبل بأقصى اليمين ولا بأقصى اليسار.
ويبدو بأن شريحة كبيرة من المجتمع مرتاحة لطريقة اقتسام الكعكة. ربما لأنها تؤمن بأن هذا أقصى ما يمكن لدولة مثل المغرب للوصول إليه تحت مبررات عدة ، أو ربما تشعر بأنها عاجزة عن فعل أي شيء.
والبديل في نظري لا يمكن أن يأتي إلا من حركة شبابية وسطية غير متشبعة بالنضال الإيديولوجي الجامعي أو الحزبي، تقنع الناس بأن تقاسم كل الكعكة أفضل من الصراع على جزء صغير منها ، وبأن التعاون على خدمة المصالح المشتركة خير من تشتيت الطاقات في انتزاع مصالح ضيقة وفئوية وبأن الديمقراطية الحقيقية قد لا تحول الفقير غنيا بين عشية و ضحاها لكنها ستحارب الفساد وتحسن من المحاسبة .
قليل من الديمقراطية مع قليل من الحرية والعدالة الإجتماعية، معادلة ستؤدي إلى الباب المسدود ، لذا لا أرى أنه بذلك سننتزع الحرية التي نريدها ، وإنما الحل هو الرفع من سقف المطالب إلى أعلى مستوياتها ، وأن لا نكتفي بشعارات ممخزنة كإسقاط الفساد وما غيرها من الشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.