المملكتين: الفرق بين مملكة المغرب و مملكة إسبانيا
في سنة 1975 رحل الجنرال فرانسيسكو فرانكو ، وبدأت إسبانيا مسيرتها نحو الديمقراطية ، وفي السنة نفسها أعلن الحسن الثاني عن بدء ما يعرف بمسلسل الانتقال الديمقراطي، وحققت إسبانيا انتقالها نحو الديمقراطية بينما تاه المغرب في الطريق. وها هي إسبانيا تعيش قفزة سياسية نوعية جديدة في وقتنا الراهن بينما المغرب مازال يبحث عن البوصلة نحو التنمية والديمقراطية، حلم صعب التحقيق في ظل الظروف الراهنة.
وتعد إسبانيا مرآة للمغاربة خلال العقود الأخيرة ، فهي الجار القريب الذي يحقق تقدما كبيرا في مختلف القطاعات بعدما كانت متخلفة ، ولهذا تعد النموذج الأمثل ضمن نماذج أخرى. وعودة إلى سنة 1975 والسنوات التي تلتها ، كانت الطبقة السياسية المغربية تتابع باهتمام كبير التطورات السياسية، واعتقدت في انتقال عدوى التقدم الديمقراطي الإسباني إلى المغرب، وإن كان بمستوى أدنى، نظرا للسياقات التاريخية المختلفة ، لكن و للأسف «إسبانيا ضبطت ساعتها على الديمقراطية، بينما الساعة المغربية أصابها عطب». وهكذا، قررت إسبانيا الانتقال الديمقراطي، وتحول الشعب إلى مصدر الكلمة الأخيرة، بينما اختطفت أقلية في المغرب حلم الشعب، وأسست لما يسمى «الاستثناء المغربي» القابل للتأويل بشتى المعاني، وواحد منها «عدم التطابق مع الديمقراطية». ولنقارن ما بين المغرب سنة 1975 ومرور أربعين سنة، فقد كان الدخل الفردي يتجاوز في المغرب أربع مرات، وبعد «ضبط إسبانيا ساعتها على الديمقراطية» ضاعفت الدخل الفردي قرابة 15 مرة.
وقفزة في التاريخ ، خلال سنة 2011 ظهرت حركة 20 فبراير ضمن الربيع العربي، وفي سياق غير مختلف كثيرا، أي ثورة الشعوب، سواء التي تعاني من الديمقراطية، أو تلك التي لم تعد الديمقراطية الغربية تلبي رغباتها، ظهرت حركة 15 مايو الشبابية في إسبانيا. لقد أعطت قفزة نوعية جديدة للديمقراطية الإسبانية، تتجلى في نهاية القطبية الحزبية وبدء مرحلة الحكومات الائتلافية، التي أصبحت برئاسة الأمين العام للحزب الاشتراكي بيدرو سانتيش، ومشاركة حزب بوديموس اليساري المكون من أولئك الشباب الذين انتفضوا في إطار حركة 15 مايو. والحكومة الائتلافية سواء يمينية أو يسارية يعني إدماج الشباب في الدولة وصنع القرار، بدل أن يبقوا على الهامش ويشككون في مصداقية المؤسسات.
في المقابل، عملت الدولة المغربية على تفكيك حركة 20 فبراير، وأفرغتها من مضمونها النضالي والمطلبي بالوعود الكاذبة، وباستعمال العنف وحرمت المغرب من فرصة تاريخية للرقي السياسي لتحافظ على الوضع السياسي والفساد الذي ما فتأ يتفاقم. خلال كل عقد تبتعد إسبانيا عن المغرب في شتى القطاعات السياسية والاقتصادية والاستقرار، ولهذا ليس بالمثير للدهشة والاستغراب، ومن عقد إلى آخر، لم يعد حلم المغاربة تحقيق بلد على شاكلة إسبانيا، بل الانتقال إلى العيش في إسبانيا ودول أوروبية أخرى.
في غضون ذلك، حققت الدولة المغربية تقدما واحدا على إسبانيا في سلم أجور المسؤولين، علاوة على امتيازات فضائحية، ويحدث هذا في وقت الناتج القومي الإجمالي لإسبانيا يفوق المغرب 15 مرة. إنها مفارقات غياب الضمير الوطني.