المغرب : كلنا خائنون ، ملكا و شعبا ….
إن خيانة المغرب من طرف المغاربة أنفسهم، ظل من المواضيع المسكوت عنها لعقود، و لا أعتقد أن شخصا سيفهم الواقع المغربي دون فرز من هو الوطني ومن هو الخائن. لنبدأ في أمثلتنا من بداية استعمار المغرب، أتساءل دائما: “من خان المغرب في 1912 ؟، السلطان أم القبائل المتمردة عن المخزن؟ و هل إدخال المستعمر أصلا للمغرب يعتبر خيانة؟
أليس هناك الكثير من يقولون: ” لولا فرنسا لمازلنا نلبس “الخناشي” و نركب الحمير في المدن ؟. لا يمكن أن أفرض جوابا باسم الشعب، مادامت الأغلبية ترى عدم أهمية تداول الموضوع و تقول: “اللي فات مات”. إن إعادة نبش التاريخ، حسب البعض، لن يمكننا من استرجاع الثروات المنهوبة، فأصحابها ماتوا و الورثة اقتسموها، و السكوت خير من إذكاء فتنة المغرب في غِنى عنها. غِنى؟؟؟… لا أظن ذلك بصراحة.
يقول Lavoisier في مقولته الشهيرة عن انحفاض الطاقة :
” rien ne se perd, rien ne se crée, tout se transforme”
فالثروة كالطاقة ، هما معا محدودتان في مجال جغرافي معين، و يتنقلان بين عدة عناصر: فمن لديه هكتارات من أراضي الكولف أو تربية الخيول الباهضة الأثمان, يبذر في طاقات الماء و الكهرباء و كذلك علف و أدوية و فيتامينات الخيول و أكسيسواراتها من سرج مذهب مخدوم بيد صانع تقليدي من فاس، استغرق عدة أشهر في طرزه يدويا، كل هذا ليتمتع “مول الشي” بالنظر له مرة أو بعض المرات.
لاحظتم معي أن الثروة- المحدودة – تتحول باستمرار و تأخذ أشكالا متعددة و تنتقل بين ملاكين متعددين ( الصانع التقليدي، عمال الضيعة و مربو الخيول و حتي الخيول نفسها تستفيد من الثروة ). أين المشكل إذن؟ هل وجود الأغنياء و السراق في مصلحة المغرب؟. بالتأكيد في مصلحته، لكن بشرط أن يتخلى الفرد عن كرامته و يساهم في دورة المال القذر، و يرضي و يطمئن بذلك. للأسف، فإن أغلبية المغاربة يعيشون في هذه الدورة المغلقة. لا تنعتوني بالخائن رجائا،فبدوري أقول : الضرورات تبيح المحظورات، لكن الضرورة تقدر بقدرها، فالفتاة اليتيمة مثلا، و القاطنة بحي صفيحي، لن ألومها إذا أخذت نصيبا من هذا المال القذر لإكتساب ضروريات عيشها، بل ألومها إذا تعلمت اللكنة الخليجية و استثمرت في جسدها و أصبحت تقضي الليلة مقابل 3000 درهم، و سوف ألوم صاحب الطاكسي الذي يوصلها وسط المدينة ب 100 درهم ليلا. و ألوم حتى المسؤول عن الاستقبال في الفندق الذي يجني 1000 درهم من تسهيل العملية. ما يثير استغرابي، هو أن الكثير من أمثال تلك العاهرة و سائقي سيارة الأجرة و عمال الفنادق، تراهم يهتفون داخل الحشود اليوم “الشعب يريد إسقاط الفساد”.
الأمر يجب أن يتضح الآن، و يجب تحديد من يخون وطنه ومن يخدمه، لا أرى تفسيرا لشاب يريد إسقاط “ليديك” و هو يعمل في مركز الاتصالات لإحدى الشركات الفرنسية ، و لا لأستاذ يطلب الترقية و هو يأتي ليستريح في قسم المؤسسة العمومية، لأنه تنتظره دروس ليلية خاصة مقابل 150 درهم للساعة. إن خيانة الوطن تأخذ أشكالا متعددة، لكن من في قلبه الخيانة و يظنها أمرا عاديا و يقول “هاذ الشي اللي بغات الوقت ” لن تنتظر منه يوما أن يضحي بنفسه لصالح الآخرين (الشعب)، و لا يمكن أن يقوم بثورة حقيقية، و سوف يكتفي بانتهاز الفرص لربح مكتسبات شخصية ( الزيادة في الأجر، تصفية حسابات مع الآخر، سد الحاجة النفسية في الظهور كشجاع و مناضل وفي للوطن، إشهار حزبه أو جمعيته أو جريدته أو حتى موقعه – كما أفعل أنا الآن ربما.. -).
الأمثلة التاريخية كثيرة لمسيرات الخيانة في المغرب. أكتفي بذكر مسيرة عشرات الألاف من المغاربة الذين ساروا في الحرب العالمية لتحرير فرنسا من الإحتلال الألماني و نسوا أن أرضهم محتلة، و الآلاف من شباب العائلات”الواعرة” الذين حجوا في مسيرات للدراسة بفرنسا (المفترض أنها العدو المحتل؟، أو ربما أخطأت..) ليرجعوا و يقودوا مسيرة الاستقلال “زعما”، و يكوًنوا أحزابا في الحكومات المتعاقبة علينا، و أحزابا يسارية تعارضهم بشراسة، و تقوم بمسيرات نضالية رفقة “القوات الشعبية”، و الشعب المسحوق يتفرج سنوات و ينتخب عليها كل مرة دعته لذلك، و ظهرت أعراض السكتة القلبية على المغرب فتنفس الشعب الصعداء بوصول أحزاب اليسار – التي قاومت الإحتلال من فرنسا هي الأخرى… – لحكومة التناوب ” التخربيقي”، و كانوا أمل كل المغاربة في إنهاء الفساد، لكنهم قاموا بأكبر عملية لبيع البلاد و ما فيها، بخوصصة البر و البحر، فوق الأرض و تحتها، و حتى موجات الهواء التي تنقل شبكات الاتصال. لا داعي للتفاصيل، فالإنسان أصبح حقيرا إلى درجة لا يستطيع حتى امتلاك 10 أمتار” تساوي 10 ملايين الآن ” يستر فيها أسرته كما تفعل كل الحيوانات على الأرض. و السبب هو بيع الحكومة “الاشتراكية يا حسرة ” أرض الله الواسعة بالجملة لما تسميه بالمنعشين العقاريين و يسميهم الشعب المسكين بمافيا العقار التابعة لرؤساء هذه الأحزاب. و لكن في هذا الشعب أيضا مافيا لديها شغف كبير بامتلاك المباني تحت شعار “القطاني و المباني”، و أغلبهم من المغاربة القاطنين بالخارج، الذين لا يثقون بالاستثمار في المغرب إلا قي شراء الشقق و كرائها ل”موكة”، و الاستثمار في الفتيات العذارى الطامعات في ” صيد الزماكريا” خلال العطلة الصيفية.
المسيرات تتوالى و العقليات هي نفسها من 1912 إلى يومنا هذا ، و يبقى المستفيد الديكتاتور و حاشيته ، و الخاسر الشعب …