من دهاليز الحكم في المغرب

من دهاليز الحكم في المغرب

من دهاليز الحكم في المغرب 

فريد بوكاس ، صحفي باحث و ناشط سياسي .

كثيرون هم من يعتقدون أن الملك بعيدا عن الحكم و السلطة ، و من يحكم هم عصابة متفرعة إلى عدة فروع و لكل فرع سيطرته و قوته . قد يخطأ من يفكر بهذا التفكير البعيد عما يجري في دهاليز الحكم في المغرب ، حيث أن النظام لا ينحصر في الملك و ولي العهد و شقيق الملك و إخوته ، و إنما النظام يتكون من مجموعات تنتمي إلى الأسرة العلوية مثل أبناء أخوات الملك و أبناء عمه و أبناء أعمام أبيه و هكذا ما نزلوا ، و لكل مجموعة تأثيرها السياسي و اتخذاذ القرارات ، و لا أتحدث هنا عن البنية السرية ، فهذه الأخيرة ما هي إلا أداة التنفيذ ، فعلى سبيل المثال زعيم هذه البنية فؤاد الحمة أو الهمة ، ما هو إلا خديم إسكوبار المغرب مريم . و هناك من يخدم لصالح حسناء و الآخر لأسماء و هكذا … لكن زعيم كل هاته المجموعات يتزعمها الملك شخصيا . قد يعتقد البعض أن المرض الذي أنهكه ، أبعده عن الحكم ، بل العكس ، المرض زاده تشبثا بالسلطة حتى لا تنهار الملكية في المغرب .

و هكذا قد أصبح للتضليل المعرفي في المغرب ، منتجون ورعاة كثر . هناك مؤسسات مخزنية أو ممخزنة تستثمر فيه لتلهي الجماهير وذلك عن طريق صحف وقنوات تليفزيونية ينفق عليها بسخاء من جيوب دافعي الضرائب . وهناك مثقفون مرتزقة يزعمون أنهم بحثوا وأنتجوا معرفة رصينة ، في حين أن أكثر ما يقدمونه لا يزيد عن خطابات مخزنية عفى عليها الزمن .

وهناك مطابع تصدر كتبا ومجلات وصحفا صفراء كثيرة ، ثم أضف إلى كل ذلك وسائل تواصل اجتماعي متعددة وقعت في أيد غير مدربة لا على استلام المعرفة ولا على تناقلها ، أياد تحركها عقول انطباعية غارقة في حب الإثارة ، ما أن تتلقى خبرا غير موثق إلا وتعيد بثه وترويجه .

ومع زيادة أعداد منتجي المعرفة انفتحت نوافذ عديدة على مصراعيها أمام أنصاف متعلمين وانتهازيين ومرتزقة وأصحاب هوى ، كل منهم يدعي أنه يساهم في توعية الناس وخدمتهم وتعريفهم بما يجهلون . وهم في ذلك يستعملون أساليب لئيمة للتضليل المعرفي تشمل من بين حيل كثيرة ثلاث طرق أساسية هي الاختلاق والاجتزاء والتشكيك . هناك أولا الاختلاق أو جملة الأخبار اليومية المزيفة التي تفبرك وتُدَسُّ لتنقل للناس روايات مكذوبة عن أشياء لم تحدث وتغرس في أذهانهم صورا مغلوطة عن تصريحات لم تُقَال ولقاءات لم تنعقد وصفقات لم تتم وهجمات لم تحدث . وتمارس مثل هذا الدس والاختلاق وجوه لا تخجل ، غالبا ما تعمل تحت رعاية وحماية المؤسسة الملكية ، وذلك أمر على جانب كبير من الخطورة عندما نرى أن تجهيل الناس يجري تحت إشراف مؤسسة يُفترض أنها ترعى التوعية و محاربة الجهل …

كما أن  النظام الديكتاتوري المغربي تمكن عبر العقود التي أمضاها جاثما فوق تطلعات الناس ، من ترويض الشعب وتخليصه من العنفوان الذي كان يميزه ، وتحويله إلى مجموعات من القطعان والطوائف والملل والمذاهب والأعراق . أقوام ضعيفة وخاضعة وصاغرة ، مذعنة ومستسلمة لمصيرها ، وعاجزة غير قادرة لا على تغيير واقعها ولا حتى على تحريكه . سياسة التهجين التي اعتمدها النظام المغربي تواصلت عبر عقود متتالية ، وأدت إلى محصلة مرعبة في الواقع المغربي ، حيث تجلت في المستويات المفزعة لمعدلات الفقر والأمية والتخلف الحضاري ، وانتشار الجهل وشيوع القهر والاستبداد ، وتفتت النسيج الاجتماعي ، وظهور النزعات المذهبية والعرقية .

من الإنجازات العظيمة للنظام الشمولي المغربي ، نجاحه في تحديد آليات واضحة لدى المواطن المغربي ، للربط الجدلي بين العقاب الصارم الذي لا يرحم أحدا ولا مهرب منه ، وبين أية مظاهر تشير إلى الانحراف عن رؤية الحاكم ، أو أي سلوكيات تمرد أو رد فعل أو أقوال مخالفة من قبل البشر . ونجح النظام وأدوات القمعية في ترسيخ هذا المفهوم في عقول المواطنين ، والذي يعني أن أي موقف مخالف سوف يعني الردع وإنزال العقاب ، إذن لا بد من الخنوع والانقياد للإفلات من العقاب

وأن يكون الاتجار بالجسد يسمى دعارة أو بغاء ، فبماذا يسمى الاتجار بالوطن ، و نهب الخيرات والموارد ، وسرقة حقوق الشعب وتهجيره واعتقاله ، ومحو هويته والذاكرة الوطنية ، ورهن السيادة والاستقلال ، التي قدمت خدمات مقابل أجر مادي ، إثراء غير مشروع ، أو شهوة سلطة مستدامة ؟!

إن الدعارة في شقها الاول تشكل إنتهاكا لقيمة الفرد وكرامته ، أما الدعارة في السياسة فهي انتهاك للجماعة في حقوقها وكرامتها وقيمها بين السقوطين- المحرمين لا تجوز المقارنة .

أن تبيع إمرأة جسدها أو أن يبيع رجل جسده ، قد يكون للفعل ما يبرره اجتماعيا ، إقتصاديا ، عائليا ، أو نفسيا ، وقد تمنحه القوانين والاجتهادات أسبابا تخفيفية ، أو قد تهبه العناية الالهية تبرئة مجدلية !

لكن أن تصبح الدعارة مفهوما يحاكي الاجتماع – السياسي ، ويتماثل في سلوك السياسيين الشاذين الذين يحللون الحرام ويحرمون الحلال ، يدمرون الشرعية ويزورون إرادة الشعب و ينتهكون كل شيء ، فهذه تسمى بالدعارة الجماعية ، و يجب علينا محاربتها بكل الأشكال المتاحة ، حتى يمكن لنا إصلاح ما تم إفساده قبل فوات الأوان ..

About The Author

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *