الأنظمة الديكتاتورية و غياب العقل التواصلي .
لا يجد النظام الديكتاتوري إمكانية أخرى للتعامل مع المعارضين سوى استعمال الاعتقال السياسي ، كحل لتطهير الساحة السياسية من المختلفين مع توجهه الذي يتبناه في تسيير أمور الوطن . بل يتحول الإعتقال السياسي لديه إلى ضرورة بالمفهوم الفلسفي ، فلا يجد بدا من استعمال هذه الوسيلة لتجاوز أية أزمة يُحدثها عدم التفاهم ، الذي يتبدى بوضوح انطلاقا من الاحتجاجات والتظاهرات ، التي تُنظمها الجهات المعارضة لمثل هاته الأنظمة .
إن غياب العقل التواصلي ، يجعل للاعتقال السياسي ، قيمة بنائية للمُكون السياسي الذي تُسير به أمور الوطن ، فيصبح بذلك أمرا مقبولا ومشروعا باسم الحفاظ على الأمن .
إن النظام الديكتاتوري لا يستطيع فتح حوار يستوعب جميع الأطياف المتعارضة والمُختلفة معه ، للتواصل بينه وبينهم بالأدلة العقلية والمنطقية من أجل الوصول إلى الحل العقلي ، الأكثر مقبولية ، منطقيا . فلماذا لا يستطيع ذلك ؟
بكل بساطة لأن الأسس التي بُني عليها النظام الديكتاتوري هي أسس غير عقلية ، لا يمكنها أن تصمد أمام الأدلة المنطقية التي يُمكن أن يُقدمها المعارضون ، لهذا تتفادى أي حوار وأي نقاش يتبنى السياق العقلي في أدلته السياسية .
بالفعل ، لا يستطيع النظام الديكتاتوري أن يصمد أمام البناء العقلاني ، ولا يستطيع استعمال هذا البناء لتبرير أفعاله ، وإنما يعمل باسمه حتى يظهر بلباس النظام الديموقراطي النجيب في تكريس الديموقراطية في نظامه ، من أجل الحفاظ على سمعته داخل المحافل الدولية .
كما يقوم النظام الديكتاتوري على القوة ، وتقديم الجماعة على الفرد ، رغم أن الجماعة التي يقصدها ، هي الجزء المستفيد فقط من الريع السياسي و الاقتصادي ، من هذا النظام ، وليس جل الأطياف من الشعب المهمش …