إن النظام السياسي بالمغرب يرتكز حسب منطوق الدستور على كون السيادة للأمة تمارسها مباشرة عبر الاستفتاء ، و بطريقة غير مباشرة بواسطة المؤسسات الدستورية . إلا أن الدستور لم يوضح من هي هذه الأمة ، هل هي مجموع الناخبين (المغاربة البالغ سنهم 18 سنة فما فوق) ، أم هي كافة المغاربة المقيمين على أرض المغرب؟
و مهما يكن من أمر فهي ليست الشعب ، لأنه إذا كان الأمر كذلك لاستعمل الدستور المغربي لفظة الشعب عوض الأمة، اعتبارا لكونها أكثر دقة و تداولا من طرف الجميع.
إذن في منظور الدستور المغربي ، السيادة للأمة و ليست للشعب ، علما أنه استعمل عبارتي أمة و مواطنين و لم يستعمل لفظة الشعب بالمرة . فحسب الدستور المغربي السيادة للأمة و للملك حق ممارسة السيادة باعتباره الممثل الأسمى للأمة ، و باعتبار ملك المغرب يسود و يحكم ، خلافا لما هو الحال في الملكيات الدستورية الغربية حيث الملك أو الملكة يسود و لا يحكم.
فالملك بالمغرب يعين رئيس الحكومة من الحزب الحاصل على أغلبية المقاعد في البرلمان و حتى و إن كان الفارق مقعد واحد ، والحكومة المغربية مسؤولة أمام الملك قبل أن تكون مسؤولة أمام البرلمان . و للملك سلطة حل البرلمان و هذا من شأنه فتح المجال لممارسة السلطة التشريعية ، علاوة على إعلان حالة الاستثناء و هي سلطة غير محدودة ، كما يمكن للملك تعديل الدستور و تقديم مشروع دستور للاستفتاء . و سلطة الملك حسب الدستور سلطة مطلقة و هي دستوريا في مأمن من أي اعتراض اعتبارا لأن شخص الملك مقدس لا تنتهك حرمته ، علما أن الحصانة البرلمانية بالمغرب لا تشمل التعبير عن آراء تجادل في النظام أو في المؤسسة الملكية. و هذا الواقع يتعارض مع حق المواطنين في انتقاد الحاكمين كما تنص على ذلك مختلف المواثيق الدولية.
لكن هل فعلا الدستور المغربي يضمن تكريس الديموقراطية؟
أولا إنه دستور ممنوح ، لم يساهم الشعب المغربي في بلورته ، و إنما عرض عليه للتصويت بعد منحه مهلة أسبوعين للتفكير ، و تم التصويت عليه ” بنعم ” وحتى الأموات شاركوا في التصويت ، و بذلك حدد المواطنون الأحياء منهم و الأموات مستقبلهم و مستقبل الأجيال القادمة إلى أن يعرف المغرب دستورا آخر.
و الدستور المغربي يمنح الأولوية للحكومة في تحديد جدول أعمال الغرفتين(مجلس النواب و مجلس المستشارين) و بذلك يمكنها في أي وقت – بمقتضى الدستور- إرجاء النظر في مشاريع القوانين التي لا تروقها و لا توافقها. علاوة على أنها ، بواسطة قوانين التأهيل و مراسيم التدبير التي تقرها بين الدورات البرلمانية يمكنها التدخل مباشرة في اختصاص البرلمان و تمرير جملة من القضايا.
إضافة إلى أن الحكومة يمكنها توسيع سلطتها التنظيمية بواسطة مشاريع القوانين – الإطار – و هو حق يخوله لها الدستور ، كما أنه يمكنها أن تلجأ إلى مسطرة الاستعجال قصد التقليص من مدة نقاش القوانين من طرف البرلمان و أن تنحي بواسطة التصويت دفعة واحدة التعديلات التي لا ترغب فيها و لا تروقها ، وذلك باللجوء إلى اللعب على ورقة : إما الكل أو لاشيء. و كل هذا بمقتضى الدستور ، وهو أسلوب يمكن الحكومة إما من القضاء على النصوص التي لا تروقها و إما من التعجيل بالبث في تلك التي تروقها.
و علاوة على هذا و ذاك ، و حتى في حالة اتفاق الغرفتين يمكن للملك سحب أي نص نهائيا من البرلمان ، و بمثل هذه الإجراءات من شأنها إفراغ اللعبة البرلمانية من روحها الحقيقية و الجوهرية ، بحيث ليس من الممكن إقرار قوانين و نصوص لا تروق الحكم ، كما أنه لا يمكن بالمقابل رفض نصوص يرغب فيها. ومهما يكن من أمر فإن الملك – بمقتضى الدستور- له الحق في تقديم مشروع تعديل دستوري يحد من سلطات البرلمان للاستفتاء ، كما تظل إمكانية حل البرلمان دائمة الحضور بمقتضى الدستور ، إذ للملك الحق في حل البرلمان أو إحدى غرفتيه. و بذلك أن ما يريده الحكم هو ما يكون ، لأنه مسموح له دستوريا بإقرار القيود القانونية التي تقيد ممارسة حريات المواطنين الأساسية.
و فيما يخص ممارسة وظيفة المراقبة ، فإن الدستور يمنع تشكيل لجان التحقيق الدائمة و لا يسمح بخلق لجان تحقيق إلا بطلب أغلبية أعضاء إحدى الغرفتين. و إذا أضفنا مقتضيات الاحترام الواجب للمؤسسة الملكية ، فإنه يبدو بجلاء أن الدستور المغربي سهب في وضع قيود قاسية لممارسة المراقبة البرلمانية ، ما دام أنه ليس من السهل ضمان أغلبية لتشكيل لجان التحقيق و مادام أن الدستور لا يسمح بانتقاد المؤسسة الملكية.
و هكذا تبقى الحكومة تحت الإمرة ، فرئيس الحكومة يعينه الملك و يقيله متى شاء ، و هو واقع على الدوام تحت وصاية الملك و لا يمنكه الإفلات منها. إضافة إلى أنه ليست لرئيس الحكومة أية سلطة على باقي الوزراء الذين هم مسؤولين أمام الملك و مطالبين بتطبيق التوجيهات الملكية بصفة الملك رئيسا لمجلس الوزراء .