المغرب: الدور القذر للمخابرات منذ تأسيسها
فريد بوكاس ، صحفي باحث ، ناشط سياسي و عميل منشق عن الديستي DGST
مر المغرب بسنوات تنعث اليوم بأسوأ مراحله ، بل إنه وصل خلالها إلى الدرك الأسفل من التهاوي و الإنكسار بخصوص الدوس عن الكرامة والصفة الانسانية. وعلاوة عن التراكمات الداخلية والعوامل الخارجية التي نخرت أسس التعامل مع الصفة الانسانية ، فإن من الأسباب المباشرة التي أفضت إلى تردي الوضع الحقوقي على امتداد سنوات الجمر أو السنوات الرصاصية هو التداخل الخطير في الصلاحيات والمهام والتعارض الكلي بين الظاهر والباطن .
ويخطئ بعض الناس عندما يحملون شخصيات الظاهر الرسمي الموجودة على خشبة المسرح السياسي الرسمي كل مسؤولية الإنكسار في كل تفاصيل حياتنا و التراجع المستمر في مساراتنا السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية وحتى العسكرية ، و لاعبو الظاهر وإن كانوا يتحملون الجزء الأكبر من مسؤولية التردي العام إلا أن لاعبي الباطن أو أعضاء الحكومات الخفية الفعلية – رجال المخابرات – هم المسؤولون بالدرجة الأولى عن معظم نكساتنا الداخلية والخارجية للأسباب الكثيرة و الأمثلة بالنسبة للمغرب متعددة و متنوعة.
فرجال المخابرات هم الذين يعينون الرجل الأول في البلاد وفي أحيان كثيرة يكون القائمون على الأمور و أصحاب مواقع القرار منهم هم نتاجا لتربية مخابراتية وتآمرية ، و هم الذين يحمونه و يقدسونه و يبدون بأسنان الكلاب المفترسة كل الذين يقفون في طريقه ، وهم الذين ينتجون كريزما المسؤولين و القائمين على الأمور في مختلف المجالات عندنا حتى في المجالات التي لا تفقه فيها المخابرات شيئا ، علما أن المخابرات المغربية كانت هي الإدارة المغربية التي احتضنت أغلب الأميين قلبا و قالبا.
إنهم يراقبون كل وسائل الإعلام لتكون في خدمة منحى واحد لا ثاني له و الذي لا يأتيه الخطأ من بين يديه و لا من خلفه ، و هم الذين يطهرون المجتمع من أصحاب الأفكار والرؤى و الإستراتيجيات الذين لا يتفقون مع ذلك المنحى الذي لا ثاني له ، وهم الذين يصيغون خارطة سياسية على مقاس ذلك المنحى، و هم من يقومون بتسجيل فيديوهات بورنوغرافية في الفنادق و الشقق للمعارضين السياسين و الصحفيين و … على سبيل المثال و ليس الحصر ، نستذكر هنا ما حدث مع الملاكم العالمي زكريا المومني و كذا وهيبة خرشيش عميدة الشرطة السابقة التي فرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية و فؤاد عبد المومني ، و علينا أن لا ننسى عميد المحامين المغاربة و وزير حقوق الإنسان السابق الأستاذ محمد زيان ، و كلهم يتهمون المدير العام للإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني DGST عبد اللطيف الحموشي شخصيا بتصويرهم في الفنادق في أوضاع بورنوغرافية . إنهم هم الذين يصيغون معارضة سياسية شكلية تعارض النظام الرسمي ظهرا وتقبض من المخابرات في دجى الليل .
وهم الذين يصدرون التزكية لهذا وذاك حتى يتبوأ هذا المنصب أو ذاك ، وهم الذين يمسكون بكل أبواب التصدير والإستيراد ، وهم الذين يبنون جدار برلين بين المواطن وأخيه المواطن ويزرعون بذور الشك بين المواطنين حتى لا يجمع بينهم جامع و بالتالي يسهل تفكيكهم والإنتصار عليهم فيما لو إتحدوا ضد هذا القرار أو ذاك ، و هم الذين يشرفون على علب الليل و الحانات و أوكار الفساد والاتجار في المخدرات وطنيا ودوليا ومراقبة النصوص المسرحية والفكرية والأدبية و دروس الأساتذة وسط الأقسام و المدرجات .
وهم الذين يروجون للثقافة الأحادية و المسرح الأحادي والجريدة الأحادية و البرلمان الأحادي و التلفزيون الأحادي والإعلام الأحادي و الفن الأحادي و الأغنية الأحادية. وبصماتهم كانت واضحة للعيان في مجال السياسة والإقتصاد و الثقافة والإجتماع ، مع العلم أن بعض المشرفين على الأجهزة الأمنية والإستخباراتية لا توجد لديهم صور وهم غير معروفين على الإطلاق للناس لكنهم أصحاب كل الصلاحيات .
فقد ملكوا كل شيء وتاجروا في كل شيء حتى في مجال العهر والدعارة ، وأقاموا أوشج العلاقات مع رجال المال والأعمال الذين حفظوا القاعدة جيدا ، لا يمكن أن يطعموا إلا إذا أطعموا رجال الحديقة الخلفية أو بتعبير العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني الذي قال : لكل دولة حديقة خلفية، و يقصد رجال المخابرات الذين ألغوا من ثقافتهم مسألة منكر ونكير و قاموسهم اللغوي النزاهة و الأخلاق و الصفة الآدمية و المروءة و العفة و الضمير و…
أي كل ما هو جميل إنسانيا ، فتصرفوا بدون رقيب وبدون محاسب ، وعندما يكاد أي جهاز أن يفضح ويتعرى يقدمون أحد الذين إنتهت صلاحياتهم من رجالهم بحجة إختلاسه لدريهمات ثم يطلق سراحه بعد حين بعفو و بتماطل البث في ملفه إلى أن يطاله النسيان.
و العجيب أيضا أن رجال الباطن و وراء الستار ببلادنا ورغم أنهم المسؤولون بالدرجة الأولى عن احتراق ركننا السياسي بكل ما فيه من خشبة وستارة وكراسي و أكسيسوارات فإنهم يسمحون بهامش من الحرية أحيانا لنقد رجال الظاهر ، لكن من يحاول رفع الستارة عنهم فعليه أن يعلم أنه دنا من الجحيم في حد ذاته . هذا هو الدور الذي تلعبه المخابرات المغربية منذ تأسيسها إلى يومنا هذا.