المغرب بدون مساحيق التجميل : واقع الفساد و الاستبداد في ممكلة الاستعباد
فريد بوكاس ، صحفي باحث و ناشط سياسي
إن واقع الفساد والاستبداد يكبلان مسارات التغيير بالمغرب ، ويعرقلان الطموحات الشعبية نحو تنمية شاملة وكرامة إنسانية وحرية حقيقية وعدالة منصفة. كما تميز القبضة الملكية على مجمل مفاصل السياسة ، حيث أصبح يزاحمه أيضا سؤال فاعلية هذه المؤسسة التي وضعت في يدها كافة الصلاحيات الدستورية والسياسية وكل الممكنات المادية والمالية . كما أن المؤسسة الملكية في المغرب تحتكر جل السلطات ، إضافة لجوهر الطبيعة الاستبدادية لنظام الحكم ، والمتمثلة في استفراد حاكم فرد غير منتخب بالسلطة ، إلى جانب حاشيته ومستشاريه ، دون إمكانية أية مساءلة أو محاسبة ، مقابل منتخبين يوضعون في الواجهة دون قدرة حقيقية على ممارسة السلطة …
و أسوأ ما يعيشه المغربي أن يعيش تحت ولاية ملك ظالم مستبد لا يقبل إلا نفسه ، ولا يريد لأي شخص يعارضه ، فتختفي المعارضة وتختفي الآراء ، ويبقى رأيه فقط ورأي من يوالونه ويؤيدونه ؛ فهو عدو للرأي الآخر و الحرية ، وعبد للكرسي والعرش والحكم والمال والحرس والجاه والسلطان والسهرات والعلاقات ، وكل شيء متاح ومباح في سبيل الحفاظ على العرش . فالملك الفاسد والمستبد يعيش في جو غير نظيف ، يمتلئ بفيروسات الغدر والخيانة والقهر والظلم .
كما أن الملك المُستبد يعمل على تكوين مملكة من التابعين له يسمعون له وينفذون قراراته ، ويجبرون الآخرين على السمع والطاعة ، فليس هناك رأي معارض ، ومن يعترض يكون مصيره النفي أو السجن نتيجة تُهم وهمية ، فهذه الفئة تعمل على خنوع الشعب للحاكم بالقوة وبالحيلة ، فالمواطن العادي يستمد ثقافته من القنوات المتاحة أمامه والتي تدعي أن الحاكم يسير في طريق الحق وفى طريق مصلحة الشعب. و الظالم قادر على إخضاع رجـال الدين ضعاف النفوس ، ليقولوا للناس ما يريد أن يقوله ، ولكن بلغــة السمع والطاعة ، وأن الاعتراض يمثل اعتراضا على الله ورسوله …
إن بيتا آيلا للسقوط ، تصدعاته بحاجة إلى أكثر من الرأب و الإصلاح، بل إلى الهدم وإعادة البناء ، بناء ثقافة سياسية جديدة تقلب الأدوار و تغير طبيعة العلاقات الاجتماعية القائمة على النمط الارعائي، من خلال تغيير طبيعة التعاقد البيعوي إلى عقد اجتماعي يحدد لحقوق وواجبات الحاكم والمحكوم على حد سواء، و بالتالي تحديد وتقنين سلطات الحاكم ” فالحكم المطلق جنون مطلق” ، والمشاركة في الحكم، و فصل السلطات، و غدو المحكومين مواطنين قادرين على المشاركة السياسية وواعين لحقهم في النقد ومساءلة الحاكم ، واحترام مبادئ و حقوق الإنسان والحريات العامة وعلى رأسها الحق في التعبير، و توفير الحقوق الأساسية للعيش الكريم، من تعليم توعوي إلى السكن فالصحة و العمل، من أجل تنمية اجتماعية مبنية على سياسات عمومية مخططة علميا و ليست مسطورة خطابيا. و ما الانتكاسة الحقوقية و الازدراء المعيشي الذي يزداد المجتمع المغربي غرقا في براثينهما إبان حكم الديكتاتور محمد السادس، إلا نتيجة استمرارية بنيات التخلف الإجتماعي و الثقافي، و إعادة إنتاج النظام السياسي لذاته. إنتاجية سجلت آثارها على المراتب المتقهقرة للتقارير الدولية التي لا تجامل السلطة.
و علينا أن لا ننسى تعدد مظاهر الإستغلال الإستعماري للمغرب، حيث أسس المستعمر الأبناك لدعم الإستعمار وبناء التجهيزات (الطرق، السكك الحديدية، السدود، الموانئ، المطارات)، وتسبب في عجز تجاري بالمغرب لإرتفاع قيمة الواردات وإنخفاض قيمة الصادرات، وإستولى على الأراضي الزراعية الخصبة بواسطة إستيطان فلاحي رسمي وإستيطان فلاحي خاص كما إستغل الثروات البحرية والمعدنية للمغرب. وخلف هذاالإستغلال الإستعماري نتائج سلبية بالمغرب، فإقتصاديا تدهورت الحرف التقليدية بسبب منافسة المنتوجات الأوربية مما أدى إلى إفلاس الورشات وأثقل المستعمر كاهل الفلاحين بالضرائب ونزع منهم أراضيهم وتحولوا إلى عمال وإضطروا إلى الهجرة القروية نحو المدن، و إجتماعيا إرتفعت نسبة البطالة والفقر وتدهورت أوضاع الفلاحين والحرفيين والتجار والعمال لإنخفاض الأجور والعمل الشاق ، وإستقر العمال والفلاحون المهاجرون بأحياء الصفيح في ظل ضعف مستواهم الصحي والتعليمي.
الشعب المطحون في مغرب الاستثناءات الذي طحنته أعباء الحياة ، وإحساسه العميق بما يزلزل كيانه العام ، وينتظر من يأخذ بيده ، ولا يجد من القائمين على حكمه إلا الطغيان والأنانية والمبالغة في تحطيمه ، وهو يلوذ بصبره العجيب ، وسط هذا الخضم من السيطرة عليه والتحكم في مصيره ؟
هذا الشعب الذي آثر السكوت ، ووقف يرقب تطور الأحداث ، ولم يجد متنفسا لإعلان سخطه إلا في مجالسه الخاصة ، أو على صفحات التواصل الاجتماعي ، يهمس بالقول ولا يجهر به ، ما يدل على مزيد من الحذر ، هذا إن لم نقل إنه يدل على الفتور والتقاعس، وإيثار السلامة ، وقد نالهم جميعا من سوء الجزاء ما نالهم ، ولسان حالهم يقول:
يا قلب صبرا جميلا إنه قدر
يجري على المرء من أسر وإطلاق
والناس أصفار كبيرة ، أو أصفار صغيرة . أصفار سعيدة ، أو أصفار تعيسة . أصفار فقيرة ، أو أصفار ثرية ، فلا وجود لوطن حر إلا بمواطنين أحرار ، فالوطنية كل لا يتجزأ ، والانتماء لا يقبل القسمة ، وربما أصاب الأعمى رشدا ، وأخطأ البصير قصدا …