المغربي بين الحاكم و المحكوم
فريد بوكاس: صحفي باحث و ناشط سياسي
إن الهوة بين الحاكم والمحكوم هي من أهم سمات الحكم في جميع مغربنا ، ولا يضاهيها وضوحا وانتشارا سوى آفة الفساد . والفساد السياسي ليس فقط انحرافا عن طاعة القوانين والأعراف والقواعد الخلقية ، لكنه يتجلى أكثر ما يتجلى في التلاعب بالقوانين ومؤسسات الدولة من قبل النظام الحاكم لبلوغ أهداف شخصية. فالفساد السياسي هو انحراف عن القيم العقلانية والقانونية ومبادئ الدولة الحديثة ، وهو لا يؤثر فقط في توزيع الموارد ، وإنما في كيفية اتخاذ القرارات والتلاعب بالمؤسسات والقوانين في الدولة ، ما يؤدي إلى انحلالها وبطلان مفاعيلها …
الشعب المطحون في مغرب الاستثناءات الذي طحنته أعباء الحياة ، وإحساسه العميق بما يزلزل كيانه العام ، وينتظر من يأخذ بيده ، ولا يجد من القائمين على حكمه إلا الطغيان والأنانية والمبالغة في تحطيمه ، وهو يلوذ بصبره العجيب ، وسط هذا الخضم من السيطرة عليه والتحكم في مصيره ؟
هذا الشعب الذي آثر السكوت ، ووقف يرقب تطور الأحداث ، ولم يجد متنفسا لإعلان سخطه إلا في مجالسه الخاصة ، أو على صفحات التواصل الاجتماعي ، يهمس بالقول ولا يجهر به ، ما يدل على مزيد من الحذر ، هذا إن لم نقل إنه يدل على الفتور والتقاعس، وإيثار السلامة ، وقد نالهم جميعا من سوء الجزاء ما نالهم ، ولسان حالهم يقول:
يا قلب صبرا جميلا إنه قدر
يجري على المرء من أسر وإطلاق
والناس أصفار كبيرة ، أو أصفار صغيرة . أصفار سعيدة ، أو أصفار تعيسة . أصفار فقيرة ، أو أصفار ثرية ، فلا وجود لوطن حر إلا بمواطنين أحرار ، فالوطنية كل لا يتجزأ ، والانتماء لا يقبل القسمة ، وربما أصاب الأعمى رشدا ، وأخطأ البصير قصدا ..
لذا فالرعية المغربية لم ينعتق فكرها و مخيالها من صورة الزعيم الرعوي “الشريف سليل آل البيت”، الحامل للبركة و الكرامات ، صورة تشحن استمرارية دور “أسطورة البطل”. ذلك أن الشخصيات السياسية تروم فرض تصور عنها من شأنه الاستحواذ على فكر الجماهير و تثبيته ، و هذه الأخيرة بدورها تستمتع بالعرض ، ليغدو هذا الاستمتاع وفق ” لويس 14″ مدخلا لامتلاك عقول الجماهير و قلوبها . و الجماهير المغربية لا تشذ عن الوقوع في فخ ” العرض السلطاني” ، فمنذ قرون مازال يسعد تفكيرها بأن من يحكمها مصطفى من السماء ، وهي بذلك رعية ذات حظوة في الأعالي . و تقعيدا لهذا المنطق فلا محل للمواطنة من الإعراب ، و لا يمكن للملكية أن تكون راعية ومواطنة في ذات الآن ، و لا المحكومون رعايا و مواطنين ، فالمواطنة مازالت فكرة تجوب الأجواء بينما الرعوية واقع حال . فالاعتقاد بقدرة السلطة القهرية المدعية للقداسة قيادة التغيير و إحلال التنمية ، وهم كبير ، بل إن سريان هذا الاعتقاد يعري حقيقة اللاتغيير ، وأننا لم نتجاوز المرحلة الطيولوجية لقانون تطور المجتمعات …
لذا ، فهو عادي جدا أن تجد الفساد في إدارة معينة ، أو في مجلس منتخب ، لكن الغير العادي أن تجده في وزارة أو في وزير ، أو في القصر الملكي أو في محكمة ، آنداك تضع يدك على قلبك من أجل مصير وطنك ، لأن فساد الموظف سواء أكان وكيل ملك أو قاضي أو منتخب أو ملك ، يصبح فقط جزء من منظومة فاسدة تراكم الثروة ، وتخرس كل الأفواه والأقلام ، يا إما بشراء الذمم أو بالضغط عبر المتابعات القضائية ، لكي يتم فتح الطريق على مصراعيه للفساد لكي يتحرك أكثر ، وينهي مملكة محمد السادس مثل نهاية بنعلي والقذافي و …
و بذلك نجد حلقة مفقودة في معالجة ملفات الفساد المالي، وتتضح أكثر بعد أن يحال بعضها على العدالة، لتظل رهينة رؤية تقليدية تقتصر على الإدانة بل الإعفاء وإحالة الفاسد على التقاعد مدى الحياة ، دون استئصال «الورم» من أساسه. الرأي العام لاحظ أن تحريك الملفات يتسم بغياب بإرادة النظام المتورط لطي صفحة «ناهبي المال العام»، سواء تحت ضغط شعارات تدفع إلى نصب مقاصل لإعدام «المفسدين» أو العجز عن وضع حد للمال السايب الذي يشجع على السرقة…
Leave a Reply